المراد من السؤال:

في مجتمعاتنا الشرقية عموماً نعيش حالة من عدم فهم الحب والجنس في الزواج، ومع مرور الوقت، نُحس أننا فقدنا الإحساس بهما، و بأغلب الأحيان نمارس الجنس ونحن لا نشعر بالحب، فهل هذا طبيعي؟؟ أم أننا نُخطىء بممارسة الجنس فقط؟ وأريد من بعد إذنكم أن أفهم ما هي العلاقة بين الحب والجنس وهل الجنس بحد ذاته هو خير؟؟ أرجو إجابتي.

الإجابة:

في البداية اسمح لي أن أشكرك للجرأة التي تتحلى بها، وخاصة وكما قلت، إنَّ مجتمعاتنا الشرقية تعيش حالة من عدم فهم الحب والجنس على حد سواء، لا بل بالأكثر، هي تُدين وتُدنّي مفهومها وتعتبر أنْ لا علاقة بينهما، وتُعطي الأولية للرجل دون المرأة في عيش الجنس.

إن الزواج والعائلة يُعتبران من أهم مقومات الحياة، وعليه فعلينا أن نكون منتبهين جيداً عندما نتعامل أو نتكلم عنهما، لذا سأوضح العلاقة بين الحب والزواج وأُجيب على سؤالك من وجهة نظر مسيحية.

الإنسان، بشكل عام وليس في الزواج فقط، هو مدعّو إلى الحبِّ وبذل الذات، والأنوثة والرجولة ھما ھبتان متكاملتان.ویؤلف الجنس من ثَّم جزءاً لا یتجزأ من الواقع ومن طاقة الحبِّ التي وضعھا الله في الرجل والمرأة. والجنس يُشكل عنصراً أساسياً في الشخصية الإنسانية، به يُظهر الإنسان ذاته، ومن خلاله يتّصل بالآخرين، وهنا يجب أن نفهم أن الجنس ليس فقط تلك العلاقة الحميمة بين الانثى والذكر، وإنما يطال كل الإنسان وحركاته ومواقفه وكينونته، كيف يتكلم ويقف ويبتسم ويغضب ..إلخ، ويعتبر الجنس هو طاقة حبِّ قوية في الإنسان.

إنَّ طاقة الحبِّ ھذه كبذل للذات ھي إذاً "متجسدة" في طابع الجسم المعِّد للزواج ، فیه تندرج رجولیة الشخص البشري وأنوثته. إنَّ الجسد البشري ، مع جنسه، يحمل في طياته خاصية الزواج، أي يستطيع أن يُعبّر من خلاله عن الحب، وتكمن أهمية هذا الحب في أنه عطاء، إذ أن الإنسان يُحقق كيانه ويكتسب كل معناه من خلال عطائه لذاته.

من هنا أُجيب على سؤال: هل الجنس هو خير؟

أقول نعم، الجنس عند الإنسان ھو خیر، یؤلف جزءاً من ھذه العطیة المخلوقة التي "وجد الله أنھّا حسنة" لما خلق الشخص البشري على صورته كمثاله ذكراً وأنثى خلقهم.

بالرغم من أنَّ الجنس ھو وسیلة للاتصال بالغیر والانفتاح علیه، إنمّا غایته الجوھریة هي الحب، عطاءً وقبولاً، أن یعطي وأن یقبل. والعلاقة بين الرجل والمرأة ھي بالأساس علامة حبّ، فلا بدَّ للجنس من أن یُوجّه ویُرفَع

ویُدمَج بالحب ، فوحده الحبّ یجعله بشریاً حقاً، وعندما یكتمل ھذا الحب بالزواج، یُعبّر عطاء الذات عبر الجسد، عن تكاملیةّ وكمال العطاء، فیغدو حینئذ الحبُّ الزوجي قوة تُغني وتُغذّي حضارة الحبّ. وحیث عكس ذلك یضیع معنى عطاء الجنس ومدلولاته وتنشأ حضارة "الأشياء" لا "الأشخاص"، حضارة یُستخدم فیھا الأشخاص كما تستخدم الأشیاء وفي إطار مدنیّة اللذة تصبح المرأة أحياناً في نظر الرجل غرضاً، والأولاد یصبحون عبئا یُزعج الوالدین.

الحب يمنعنا من استعمال الآخر والجنس بدون الحب هو هذا الاستعمال والاستغلال للآخر، وبنفس الوقت، لا يمكن أن أُحب أحداً دون أن أتوق إلى الاتحاد به، وهنا الجنس له دورٌ كبيرٌ في ترسيخ الحب ودفعه إلى الأمام ليكبُر وينمو.

لربما نرى العائلة تتدهور وتفشل بسبب أننا لم نتعلم أن نُحب جيداً وهنا يجب على الإنسان أن يتعلم الحب من الله الذي هو بحد ذاته محبة.