شرح السؤال: هل نصلي لكي يرحم الله الأموات أو الصلاة على الموتى هي سبيل لتصبير المؤمنين واستمرار شراكة الموتى بالجسد في الكنيسة ولماذا خصص يوم للموتى؟ وما المبالغات التي أضيفت للمناسبة لنستطيع تجنبها؟
الإجابة:
في البداية لا بد من التركيز على تذكار الموتى المؤمنين الأمر الذي من شأنه أن يجعلنا نحيا الشراكة كجسد واحد في المسيح يسوع، فالموتى باعتبارهم جزء لا يتجزأ من جماعة المؤمنين بيسوع المسيح، هم شركاء بالإيمان ولذلك جرت العادة أن يُذكروا في صلواتنا.
لا يوجد في إيمان الكنيسة خلاصاً فردياً وإنما جماعياً، وعليه فإن وحدة الجسد بكافة أعضائه مطلوبة، وهذا ما يجعلنا نتحد بالصلاة كل من مكانه ولكن بقلب واحد وإيمان واحد علامة على أننا كلنا مشتركون بالخلاص الذي أعطانا إياه الرب يسوع المسيح.
بالنسبة ليوم السبت فقد جرت العادة في بعض الكنائس، وخاصة البيزنطية منها، أن يُذكر الأموات فيه فيمكن رفع الصلوات بأي وقتٍ من أجل الراقدين بخدمةٍ خاصة تسمى خدمة “التريصاجيون” خارج القداس الإلهي أيضاً، لكن جرت العادة أن تقام الذكرانيات في الكنيسة وذلك في اليوم الثالث والتاسع والأربعين وبعد تمام الثلاثة أشهر والسنة. اختيار هذه الأيام لا يحتمل أي تفسير ميتافيزيقي (ورائي)، وإنما حصراً من جهةٍ أولى لأسبابٍ عملية كاختصارٍ للأربعين قداساً، كما كان يتمّ قديماً عن نفوس الأموات، وما يزال ذلك جارياً في الأديار حتى اليوم. ومن جهةٍ ثانية كمضاعفاتٍ للرقم ثلاثة المحبوب لدى المسيحيين كما هو عدد الثالوث ورقم اليوم الثالث، يوم قيامة المسيح. عدا هذه الأيام المرتبطة بكلّ وفاةٍ، فإنّ الكنيسة حددت سبتين في السنة نقيم فيهما تذكاراً وعيداً للراقدين، وهما السبت السابق لمرفع اللحم والسبت السابق ليوم العنصرة.
كلّ سبت من أيام الأسبوع مخصصٌ ليتورجياً للأموات وذلك من خلال الدور الليتورجي الأسبوعي، حيث كلّ يومٍ فيه مخصصٌ لموضوعٍ محدّد: فالاثنين للملائكة والثلاثاء للقديس يوحنا المعمدان والأربعاء للصليب والخميس للرسل والجمعة للصليب أيضاً. وجرت العادة في كلّ سبت، أن تقام الذبيحة عن الموتى وأن يحضر الحزانى القداسَ ويتناولوا رافعين ابتهالاتٍ من أجل الراقدين. وبالأخصّ في السبتين المذكورين سابقاً. ازدادت مع الزمن سبوتُ الأموات وأضيف للسبتين السابقين سبت مرفع الجبن وسبت الأسبوع الأول من الصوم.
يفضّل بالطبع أن تتمّ الذكرانيات دائماً يوم السبت (اليوم المخصص للراقدين)، وليس يوم أحد (يوم القيامة- فرح). للسبب نفسه في الأعياد الكبيرة والمواسم تمنع الكنيسة إقامة ذكرانيات، مثل عيد الميلاد والفصح والصعود، ومن سبت لعازر إلى أحد توما (أسبوع الآلام وأسبوع التجديدات)، ويوم العنصرة وعيد الرقاد.
وفي بعض الكنائس الأخرى كالسريان والموارنة والكلدان .. فقد جرت العادة أن يُذكر الأموات يوم الجمعة وذلك حسب المفهوم الليتورجي الذي يقول بأن آدم وحواء قد سقطا يوم الجمعة والمسيح مات على الصليب يوم الجمعة وفي الصلوات يقال إن آدم قطف في يوم الجمعة ثمرة للممات ويسوع يوم الجمعة قطف ثمرة للحياة، وتجدر الإشارة بأن هذه الكنائس وضعت عدة أسابيع قبل الصوم الكبير تحتفل بها بتذكارات الموتى من الكهنة الراقدين إلى الموتى الغرباء إلى الموتى المؤمنين وكلها تقام في يوم الجمعة يوم موت يسوع المسيح على الصليب ويوم الأحد يوم قيامة الرب يسوع من بين الأموات.
أما عن سؤال هل يفيد تقديم القرابين والبخور على نية الموتى؟ فأجيب إن طرح السؤال يحمل مفهوماً خاطئاً، فكما قلت في البداية إن الصلوات تدل على شراكة أعضاء الجسد الواحد، لذلك كما نحن الأحياء نقدم الصلوات والقرابين والبخور فالأموات يفعلون ذلك من خلالنا بفعل تلك الشراكة، فهي ليست ليرحمهم الله كما نقول ولكن لكي نحافظ على وحدة الجسد.
أختم وأقول بأننا إن لم نكن ونحن أحياء بشراكة مع بعضنا البعض ومع الله فبعد الموت لا مجال لإعادة النظر بالإيمان إذ إنه لا مجال لاتخاذ القرار، ولكن تعتقد الكنيسة بأن الله الكثير الرحمة والمحبة يقدم بحبه المجاني نفسه للإنسان ولا يتكل على أعمال الإنسان ليخلصه بل على محبته هو.
لقد اختصرت كثيراً في إجابتي، لذا يستوجب التمعن أكثر، ولكني وضعت مفاتيح لننطلق منها بالتفكير والبحث، فلا يجب أن نقف عند هذا الاختصار كمصدر للمعلومات.
الشكر لمن طرح هذا السؤال.