شرح السؤال: 

في ظل الغربة التي نعيشها، داخل البلد أو خارجها، غربة عن حياتنا الروحية وعن إنسانيتنا، والمحاولة لشد أولادنا لعيش التزام ديني وروحي وإنساني، ما هي الطريقة الصحيحة لتعريف الأطفال عن الله وعن يسوع المسيح، أي كيف نشرح ونبسط فكرة وجود خالق ووجود ابن وروح قدس وأن الابن قد ولد ومات وقام لطفل عمره ٥ سنوات؟ أعتقد الإجابة تحتاج لتشعب وتفاصيل كثيرة ولكن ما أطلبه هو أن تدلني على بداية الطريق..

الإجابة:

بالبداية شكراً على السؤال، وأحب أن أنوه أن الغربة الحقيقية هي الغربة عن الذات، وهي ليست بالمكان والزمان، فأنت في قلب الله وهو في قلبك أينما كنت أنت.

أما عن الالتزام الديني والروحي والإنساني فأقول أن الأمر لا يختلف كثيراً عن أي التزام آخر، بمعنى أننا لا نضع أمام أطفالنا وهم في هذا العمر، ما لا يجب أن يوضع، واحتراماً منا لعقولهم وسنهم، فإننا نلقنهم العلم والتربية رويداً رويداً وبما يتناسب وإمكاناتهم الفكرية والإدراكية، وكما أننا لا نسمح لهم وهم صغار أن يقوموا بما هو للكبار، فكذلك الأمر بالنسبة لموضوع الإيمان وتعليمهم إياه.

يمكننا أن نُجيب على أسئلة الطفل بسؤال، نسأله ماذا يعرف هو عن الموضوع، هذا سيسهّل علينا الأمر، ويحوّل انتباه الطفل إلى الاستنباط والاكتشاف الذاتي والتحليل، وهذا يساعد في بناء شخصيته ويعلمه كيف يتعلم، فالمهم ليس في إجابتنا، أو فيما نُجيب، لأنه وإن كنا نملك الإجابة الصحيحة لربما ننتقل من سؤال إلى سؤال دون أن يفهم الطفل حقيقة ما نقول، وأعتقد أن الطفل لا يبحث عن إجابة كما نفهمها نحن، وإنما يريد، من خلال أسئلته، وفي كثير من الأحيان، أن يلفت الانتباه لوجوده.

إن الأطفال بهذا العمر لا يمكنهم السماع والإصغاء لما نقول، و ينهالون علينا بالأسئلة دون أن يفهموا ما نقوله لهم، لذلك فالوسيلة المجدية هي أن نعلمهم بالمَثَل، أي أنهم يقلدون أفعالنا وحركاتنا، لذلك نصلي معهم، ونقرأ لهم قصص قديسين (قصص قبل النوم)، ونقوم بأعمال محبة أمام عيونهم، فيتعلمون منها وهكذا مع مرور الوقت سيكونون أقرب لأن يفهموا فكرة وجود خالق ووجود ابن وروح قدس.

إن كنا نريد أن نعلم طفلنا الصلاة، قد تبدو بعض الصلوات الحفظية مفيدة ببداية الأمر، كصلاة أبانا الذي في السموات .. والسلام عليك يا مريم... ولكن لا يجب أن يبقى الحال هكذا، لذا، وكما أوضحت أعلاه، فإن سلوكنا نحن أمامه هو ما يعلمه، وعلى هذا أقترح أن نهيئ جواً خاصاً فيما يتعلق بالصلاة، ونبذل جهداً لتكون حركات جسدنا مناسبة لأجواء الصلاة، وكلماتنا بعيدة عن التنظير، فلا نشرح لله ما يجب عليه أن يعمل، وإنما نضع أمامه حياتنا، ونطلب منه أن يقدّس ما عملنا في هذا اليوم، وإن كنا قد أخطأنا تجاه أحد بتصرف غير لائق، كل ما علينا أن نفعله هو أن نعد أنفسنا أمام الله بأننا سوف نُصلح الأمر، ونتابع عملية إصلاح أخطاءنا في كل يوم، وهكذا سنجد أنفسنا بعد فترة قصيرة، نحن وأطفالنا، قادرين على الإيمان بطريقة عملية.

إن المثابرة والاستمرار في تكرار (عادة الصلاة) على هذا المنوال، سيفتح بلا شك، آفاقاً جديدة لأسئلة الطفل، وبالتالي سيتم التركيز على ما نريد أن نعلمه إياه، إنطلاقاً من الأعمال التي نعملها خلال اليوم، أي إننا سنواجه كمّاً جديداً من الأسئلة، ولكن هذه المرة سنكون نحن من حدد مسار هذه الأسئلة، لكي تتضح الفكرة سأقول إن ما نضعه نحن أمام طفلنا هو ما سيسأل عنه، فإن وضعنا لعبة سيسأل عنها وحولها، وإن وضعنا طعاماً كذلك الأمر وإن كنا نصلي ونوجه حياتنا اليومية بطريقة صحيحة، أيضاً سيسأل عن كل تفصيل، لذلك لماذا لا نوجه أسئلة طفلنا من خلال ما نضعه نحن أمامه؟

في النهاية، رغم أنني أطلت في الإجابة، إلا أن الطفل هو عالم كبير، ولنتذكر أننا كلنا كنا أطفالاً، وربما لم تتم إجابتنا عن أسئلتنا بطريقة صحيحة ولم يعلمنا أهلنا كل شيء عن الله كخالق وعن ابنه يسوع المسيح كمخلص وعن الروح القدس كمحيي، إلا أننا فيما بعد، ومن خلال محيطنا والتزامنا في كنائسنا تعلمنا شيئاً فشيئاً كل ذلك. فلا يجب أن نخاف أو نقلق، إلا على ومن الأشياء الخاطئة التي يمكن لطفلنا أن يتعلمها ويعيشها.