الظهورات والعجائب

نصوص من الكتاب المقدس

38 حِينَئِذٍ أَجَابَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». 39 فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ.40 لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال. (متى 12: 38 -40)

36 وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسْطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!»37 فَجَزِعُوا وَخَافُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحًا.38 فَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ، وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟39 اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ! جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي».40 وَحِينَ قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.41 وَبَيْنَمَا هُمْ غَيْرُ مُصَدِّقِين مِنَ الْفَرَحِ، وَمُتَعَجِّبُونَ، قَالَ لَهُمْ: «أَعِنْدَكُمْ ههُنَا طَعَامٌ؟»42 فَنَاوَلُوهُ جُزْءًا مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَشَيْئًا مِنْ شَهْدِ عَسَل.43 فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ.44 وَقَالَ لَهُمْ: «هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ».45 حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ.46 وَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ،47 وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ.48 وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذلِكَ.49 وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي».50 وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ.51 وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ.52 فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ،53 وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَآمِينَ. (لوقا 24: 36 -53)


التعليق

بين الظهور والأعجوبة قاسم مشترك، ففي كليهما أمر يفوق الطبيعة.

نتطلع دائماً إلى أن يكشف الرب عن مكنوناته، ونتطلع لأن يمرّ بنا، إما بتعزية وإما بتدخل مباشر، يشفينا ويغير مجرى أمور لا نستسيغها، ونود منه أن يُحيل ما هو مستحيل إلى سهل، تطاله أيدينا، فكل ما يعوق تقدمنا أصبح بحاجة إلى معجزة، وكل ما يحدث في حياتنا أصبح برهن الله ليجيب ويُرينا ما عنده بخصوصنا.

كم من تمثال بكى لأننا نبكي، وكم من أيقونة انهال منها الزيت لترينا كم أننا ابتعدنا عن الصلاة، وكم من صور وأحداث ظهرت في مختلف نواحي حياتنا، تفاجئنا وتُشعرنا بأن هناك من يرانا ويعتني بنا ويُراقبنا، وكم هم الأشخاص أصحاب الرؤى والاختطافات الذين يُحذرونا من الكوارث والتعاليم الآثمة وينقلون لنا إرادة الله ومخططه القادم لحياتنا. بتنا في عالم يعتمد كلياً على الغيبيات والطالع وتحكم النجوم بمدارات وتفاصيل حياتنا اليومية.

تغيّر كل شيء في العالم، تطوّر العلم بشتى المجالات، وصارت أكثر الأمور المعقدة على زمن آبائنا، سهلة المنال في أيامنا، لكن لم يتغير الإنسان، ولم تتغير النظرة إلى الماورائيات والعوالم الإلهية، نريد معجزة وآية من السماء، مِن الذي يرى ويفحص كل شيء ويعرف كل شيء، ولم نكبر لنتعلم أن ما نزرعه اليوم نأكل منه غداً.

بالفعل ظهرت الأعاجيب والظواهر الخارقة للطبيعة، لم نفكر، بل ذهبنا فوراً لنرى ونسمع، وتحرك الجميع ليستفيد، وسائل الإعلام نقلت الخبر والناس في اندهاش خافوا أن يفوتهم المشهد، هناك من سوّق وأقام محجاً وبجانبه مكاناً أكبر من المحج لبيع التذكارات، بالإضافة إلى الكافتيريا ومواقف سيارات الحجاج؛ صار الحدث نشاطاً اقتصادياً استفاد منه الكثير حتى حكومة البلد؛ وها هي أيام وشهور تمر والعداد يَعُد، وفجأة بَهُت كل شيء، لم يعد الظهور يعني للكثيرين إلا للذين استفادوا مادياً منه، أو أولئك الذين زاروه، فيتحدثون في جلساتهم عن رحلتهم، دون أن يمرّوا على ما كان يريد الله من هذا الظهور.

في كلامنا هذا نحن لا ننفي حدوث العجائب والظهورات، فهي حقيقة ملموسة، إنما نريد أن نفهم، وأن نعرف كيف نتعامل معها، وكيف نصدقها.

في الحقيقة إذا كان لدينا ذلك الإيمان القوي والثابت، فنحن لسنا بحاجة إلى أعجوبة ولا إلى ظهور، ولا إلى أي تدخل إلهي، فالحق وحده يُحررنا، أي أن الإيمان بالله يحرر الإنسان من كل شيء خارج عن طبيعته، ولذلك وجب على المؤمن أن يتمتع بالحكم الصائب للأمور وبذاك التمييز الذي من خلاله يقدر أن يوجه حياته لتَصُب فيما يرتضيه الله.

ونميز هنا ثلاث قدرات في الحياة، لدينا قدرة إلهية، وقدرة بشرية (أو طبيعية)، وقدرة شيطانية. وضمن هذه القدرات تتأرجح حياة الناس. 

هذا القدرات قادرة أن تُحدث فرقاً، إما خيراً وإما شراً، ما عدا القدرة الإلهية لها وجه واحد وهو الخير للإنسان. 

لقد حذر بعض الآباء وقالوا:" لكي تأمنوا العاقبة لا تطلبوا الظهورات ولا تصدّقوها، أيّاً تكن. لا تهتمّوا لا بالأحلام ولا بالتنبؤات. الحقّ أنّ هذه أرض محفوفة بالألغام. ما يوجّه إليه آباؤنا الأنظار هو العجيبة الروحيةإذا كان أحد ضالاً فتاب هذا يكون قد ضاع ثمّ وُجد. إذا كان أحدٌ بلا إحساس، من جهة خطيئته، ثمّ أحسّ بها بعمق وصارت أمامه في كل حين هذا يكون كمَن كان ميتاً فعاشإذا كان أحد بخيلاً ثمّ صار سخياً، مبدِّداً على المساكين، هذا تكون يده قد شُفيت بعد شلل. إذا سلك أحد في الوقيعة بين الناس ثمّ صار صانع سلام، هذا تكون رِجله قد برئت بعد يباس. مَن أحبّ الفقير، بعد إعراض، أهم ممَن يقيم الموتى ويشفي المرضى لأنّه كان ضالاً فوُجد وكان ميتاً فعاش. هذا يقوم إلى حياة أبدية لا فقط إلى حياة دهرية". (الأرشمندريت توما بيطار).

في الحقيقة الإبحار في هذا الموضوع طويل وشاق، ولا نستطيع أن نفي به في صفحات قليلة، ولكن يكفي الانتباه إلى المبدأ الأساسي في التعاطي مع الظواهر والأعاجيب، وهو أن أسأل ما الهدف الحقيقي من وراء هذا الظهور وهذه الأعجوبة، لأن الله لا يمكن أن يفعل شيئاً بدون هدف حقيقي يخص خير الإنسان ونموه. 

اسأل نفسك

  1. هل أطلب معجزة؟
  2. هل دماغي قادر أن يًحدث فرقاً بشأن حياتي؟
  3. هل أنظر من منظور الله أم من منظوري؟