الأحد الثالث من الصوم 

شفاء المُخَلّع 

لا تكن محمولاً، بل حاملاً  

رسالة القدّيس بولس إلى أهل رومة (11: 25-36) 

يا إخوَتِي، لا أُرِيدُ، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا حُكَمَاءَ في عُيُونِ أَنْفُسِكُم، وهوَ أَنَّ التَّصَلُّبَ أَصَابَ قِسْمًا مِنْ بَني إِسْرَائِيل، إِلَى أَنْ يُؤْمِنَ الأُمَمُ بِأَكْمَلِهِم.

وهكَذَا يَخْلُصُ جَميعُ بَنِي إِسْرَائِيل، كَمَا هُوَ مَكْتُوب: «مِنْ صِهْيُونَ يَأْتي المُنْقِذ، ويَرُدُّ الكُفْرَ عَنْ يَعْقُوب؛

وهذَا هُوَ عَهْدِي مَعَهُم، حِينَ أُزِيلُ خَطَايَاهُم».

فَهُم مِنْ جِهَةِ الإِنْجِيلِ أَعْدَاءٌ مِنْ أَجْلِكُم، أَمَّا مِنْ جِهَةِ ٱخْتِيَارِ الله، فَهُم أَحِبَّاءُ مِنْ أَجْلِ الآبَاء؛

لأَنَّ اللهَ لا يَتَرَاجَعُ أَبَدًا عَنْ مَوَاهِبِهِ ودَعْوَتِهِ.

فكَمَا عَصَيْتُمُ اللهَ أَنْتُم في مَا مَضَى، وَرُحِمْتُمُ الآنَ مِنْ جَرَّاءِ عُصْيَانِهِم،

كَذلِكَ هُمُ الآنَ عَصَوا اللهَ مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكُم، لِكَي يُرْحَمُوا الآنَ هُم أَيْضًا؛

لأَنَّ اللهَ قَدْ حَبَسَ جَمِيعَ النَّاسِ في العُصْيَان، لِكَي يَرْحَمَ الجَميع.

فَيَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ ومَعْرِفَتِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الإِدْرَاك، وطُرُقَهُ عَنِ الٱسْتِقصَاء!

فَمَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبّ؟ أَو مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟

أَو مَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا فَيَرُدَّهُ اللهُ إِلَيْه؟

لأَنَّ كُلَّ شَيءٍ مِنْهُ وَبِهِ وَإِلَيْه. لَهُ المَجْدُ إِلى الدُّهُور. آمين.


إنجيل القدّيس مرقس (2: 1-12)

عَادَ يَسُوعُ إِلى كَفَرْنَاحُوم. وسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيْت.

فتَجَمَّعَ عَدَدٌ كَبيرٌ مِنْهُم حَتَّى غَصَّ بِهِمِ المَكَان، ولَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ لأَحَدٍ ولا عِنْدَ البَاب. وكانَ يُخَاطِبُهُم بِكَلِمَةِ الله.

فأَتَوْهُ بِمُخَلَّعٍ يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةُ رِجَال.

وبِسَبَبِ الجَمْعِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الوُصُولَ بِهِ إِلى يَسُوع، فكَشَفُوا السَّقْفَ فَوْقَ يَسُوع، ونَبَشُوه، ودَلَّوا الفِرَاشَ الَّذي كانَ المُخَلَّعُ مَطْرُوحًا عَلَيْه.

ورَأَى يَسُوعُ إِيْمَانَهُم، فقَالَ لِلْمُخَلَّع: «يَا ٱبْني، مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك!».

وكانَ بَعْضُ الكَتَبَةِ جَالِسِينَ هُنَاكَ يُفَكِّرُونَ في قُلُوبِهِم:

لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هذَا الرَّجُلُ هكَذَا؟ إِنَّهُ يُجَدِّف! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟.

وفي الحَالِ عَرَفَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُم يُفَكِّرُونَ هكَذَا في أَنْفُسِهِم فَقَالَ لَهُم: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهذَا في قُلُوبِكُم؟

ما هُوَ الأَسْهَل؟ أَنْ يُقَالَ لِلْمُخَلَّع: مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك؟ أَمْ أَنْ يُقَال: قُمْ وَٱحْمِلْ فِرَاشَكَ وَٱمْشِ؟

ولِكَي تَعْلَمُوا أَنَّ لٱبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا أَنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا عَلَى الأَرْض»، قالَ لِلْمُخَلَّع:

لَكَ أَقُول: قُم، إِحْمِلْ فِرَاشَكَ، وٱذْهَبْ إِلى بَيْتِكَ!.

فقَامَ في الحَالِ وحَمَلَ فِرَاشَهُ، وخَرَجَ أَمامَ الجَمِيع، حَتَّى دَهِشُوا كُلُّهُم ومَجَّدُوا اللهَ قَائِلين: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هذَا البَتَّة!».


الموعظة

قبل أن يقول له: "قم احمل فراشك وامش"، قال مغفورة لك خطاياك.

لطالما كان يسوع يفعل ذلك، يبدأ بغفران الخطايا، يسأل الشخص عن إيمانه بعملية الشفاء، عندما رأى يسوع إيمان الأشخاص الأربعة الذين حملوا المخلع، قال  للمخلع: «يَا ٱبْني، مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك». 

يُربِكنا هذا التصرف قليلاً، عندما يربط يسوع الشفاء بغفران الخطايا، حتى صار البعض يعتقد أنّ الله يُبلي الإنسان بالأمراض والأوجاع نتيجة لخطيئته، نحن نسمع في شتى المجالس هذا الكلام، فعندما نتكلم عن الأزمات والحروب وما يتخللها من فوضى وموت وأوجاع، نُسند العِلة إلى الله، حتى في أمراضنا وكل ما يُصيبنا من بلاء، حتى عند بعض الكهنة، يتم التشديد في عظاتهم على مخافة الله انطلاقاً من هذه الفكرة، ويعتبرون أنّ الله يضرب الإنسان إذا ما أخطأ، وطبعاً للأسف.

والسؤال الذي يمكننا أن نطرحه هنا، لماذا يغفر الله خطيئةً لإنسان ضربه أو عاقبه بسببها؟

إنَّ اعتبار الله مسؤولاً عن كل شيء لهو أمرٌ في غاية السذاجة، الأمر الوحيد المسؤول عنه هو محبته، وعند التكلم عن محبة الله أو الله المحبة، لا يمكننا أن نخلط بين إله يعاقب وإله يغفر، فإما هذه أو تلك. لذلك وجب علينا أن نفهم ما هو الله في الحقيقة، لكي نعرف كيف نتكلم معه أو عنه.

هذه المحبة تتضح أولاً من غفران الخطايا، وهنا يسوع يُظهر القدرة على المحبة من خلال الغفران، ولا يود أن يُظهر القدرة على اجتراح المعجزات، فهو لم يقل قم احمل فراشك أولاً وإنما مغفورة لك خطاياك. وهذا كشفٌ وإظهار لما هو الله في جوهره، أي أنه محبة.

بما أننا نقرأ هذا النص الإنجيلي في زمن الصوم، والذي هو زمن شفاء، وجب علينا أن نعي ما هو المطلوب

المطلوب هو أن أُشفى أنا، ولكن ممَّ؟ من مرض لا أعوّل عليه كثيراً، مرض عضال اسمه الخطيئة، مرض أقل ما يقال عنه أنه يُفقدني إنسانيتي وهو ألاّ أُحِبّ، فالخطيئة بحد ذاتها هي ضد ما هو محبة. غالباً ما نشتكي ونصلي ونتضرع إلى الله وجميع قديسيه لكي نُشفى من أوجاع جسمنا، وأعود لأقول أننا في قمة الأنانية عندما نفعل هذا، وطبعاً الأنانية هي عكس المحبة، ففعل الصلاة والتضرع هو لقاء حب بين الله والإنسان، لقاء بين محبوبين، يدخل كل واحد بحياة الآخر ويعطي حياته للآخر، فلا يطلب الواحد من الآخر ما هو لنفسه، بل ما هو للآخر.

هذا المخلع محمولٌ وبعدها قام وحمل، محمول كان على فراشه، وبين يدي أربعة أشخاص. هناك في حياة الإنسان مرّتين أو فترتين أساسيتين يكون فيهما محمولاً: الأولى وهو في بطن أمّه وبعدها إلى أن يَكبُر، والثانية عندما يموت، ويبقى ما بينهما هو الجدير بالتحرر مما يحمله، 

لا شك بأنكم فهمتم أن هناك الكثير من الحمّالين في هذا العالم، هم بمثابة فراش شَلَلِنا، يحملوننا ونحن مكبّلين مخلّعين غير قادرين على الحراك، فالعادات والتقاليد السلبية والموضة والتكنولوجيا وعالم المُستهلك والتجارة وإلى ما هنالك من أمور، هي تحملنا لا نحن من يحملها، هذا الاستسلام منا غريب، وغير مفسّر، وغير منطقي، وغير صحيح.

لا تكن محمولاً، بل حاملاً..!! حاملاً الحب أولاً للآخرين، حاملاً الإنسانية في جعبتك، حاملاً كل الخطايا وتعال بها إلى الله، فمحبته قادرة أن تُغيّر مجرى الأمور.

لما رأى يسوع إيمان الحمّالين الأربعة صار الشفاء، وهذا بيت القصيد في أن نكون حمّالين، ننبش السقف، نعمل المستحيل لكي يقوم الإنسان - المخلع، ويعود لدوره الحامل، فقد قام وحمل فراش شَلَلِه، تحرر منه، وانطلق في الطريق. 

لنتحرر إذاً يا أحبتي من كل ما يقوّض حريتنا ومحبتنا، ونؤمن بالله فنصير على صورة مثاله، محبة.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.