الموعظة نقف اليوم أمام شخصية كتابية كبيرة.. عند حدثٍ يتوسط كِلا العهدين، القديم والجديد، بكل الأنبياء والآباء والأبرار الذين لعبوا دوراً هاماً في تحقيق وعد الله والحفاظ على عهده. يحمل إنجيل حدث اليوم معانٍ جمة، ولكني سأقف عند أمر واحد فقط، وهو التعجب..!! بعد أن أتى الجيران والأقارب إلى بيت زكريا الكاهن، ليفرحوا مع أهل بيته بولادة الطفل الجديد، تساءل الحاضرون ما عسى أن يكون هذا الطفل..؟، وأرادوا أن يسمّوه باسم أبيه زكريا، إلا أن أليصابات اعترضت وقالت: يسمّى يوحنا، وعندما أشاروا إلى أبيه ماذا يريد أن يسمّيه، كتب على اللوح: يوحنا، وهنا أبدَ هذا الجمع التعجب. ونلاحظ أن القديس لوقا لم يضع موقف التعجب عندما تكلم زكريا الذي كان أخرساً، بل عندما طُرح موضوع اسم المولود، وهذا الأمر الذي أقف عليه اليوم. لم يتعجب الجمع من تكلم الأخرس، بل من تغيير العادات والتقاليد. وبالحقيقة هذا ما يدعو إلى التعجب.. من المتعارف عليه في العادات والتقاليد اليهودية أن يسمّى الطفل باسم أبيه، وأيضاً أن يرث عنه عمله، وربما إلى اليوم، نحن نهتم أن نورّث أبناءنا مهنتنا وأعمالنا وحتى تقاليدنا التي ورثناها عن آبائنا، وفي الحقيقة نحن لم نفكر ما إذا كان ما نحافظ عليه، ونورّثه لبعضنا، جيلاً بعد جيل، يوافق إرادة الله. إن الله يريد أن يسمّى يوحنا، ليعبّر، من خلال هوية هذا الإنسان، عن ذاته وعن مشروعه تجاه الإنسان، ألا وهو الخلاص. ففي يوحنا (الله تحنن) وذكر عهده المقدس، وأعلن بداية تحقيق الوعد بالخلاص الآتي، والذي هو الرب يسوع المسيح. هنا المفارقة التي تستوقفنا، فبين ما يريد الله وبين ما نريد نحن هوة كبيرة. نحن لا نتعجب عندما لا يعيش الإنسان حسب إرادة الله، بل نتعجب إن خالف الأعراف والعادات. نحن لا نُعجَب بعمل الله وإنما نتعجب كيف يُخالف عمل الله، عملنا. عندما يغيّر أحدنا تقليداً متعارفاً عليه في مجتمعنا، نتجهم ونسخر ونتعجب، وعندما نرى أحداً يعيش وصايا الله، نتعجب أيضاً، غير أن ما يثير التعجب كيف نحيا، إلى الآن، بتقاليد تسيء إلى إنسانيتنا، وتضرّ بها. أصبح غريباً أن نحب بعضنا.. وغريباً أكثر أن نحب من أساء إلينا.. نُعجب من لحن أغنية جديدة أكثر من مشاهدة شخص ما، يعمل على تحقيق إرادة الله.. حتى سفك الدماء لم يعد يُدهشنا.. لقد اعتدنا على مشاهدته.. لقد ولد يوحنا، كما أراد الله، وعمل أهله على دعوته، فلم يصبح كاهناً كأباه، ولم يُسمى على اسمه، وانقطع إلى البراري، لا كباقي الأولاد، وكل ذلك لأن الله أراد منه أن يكون مُعدّاً لمجيء المخلص. ربما نقول أننا لسنا يوحنا، أي أن ليوحنا دعوة خاصة، وهذا صحيح، إلا أن هناك دعوة خاصة لكل إنسان، عليه اكتشافها، على الإنسان أن يكتشف هويته، وحقيقته، وحقيقة ارتباطه بالله، ويفعل ما يريده الله، لا لكي يُرضيه، وإنما لكي يكون هذا الإنسان هو هو. فالإنسان مدعو لعيش الحب، وهذا الحب، هو إنطلاق نحو آخر، وبالتالي أن أعمل ما هو للآخر، يكون بالحقيقة، هو فعل الحب. إن كان هناك ما يدعو إلى التعجب، فهو كيف أصبح حال الإنسان..!، دعونا أحبتي، نُعجب بعمل الله، وبحبه لنا، ونبادله حبنا، ونعمل على توريث أبنائنا هذا الحب، فهذا ما يجعل عالمنا أكثر إنسانية. هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.أحد مولد يوحنا
التعجب
رسالة القدّيس بولس إلى أهل غلاطية (4: 19-27)
يَا أَوْلادِيَ الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُم ثَانِيَةً حتَّى يُصَوَّرَ المَسِيحُ فيكُم!
كُنْتُ أَوَدُّ أَنْ أَكُونَ الآنَ حَاضِرًا عِنْدَكُم، وأُغَيِّرَ لَهْجَتِي، لأَنِّي مُحْتَارٌ في أَمْرِكُم!
قُولُوا لي، أَنْتُمُ الَّذِينَ تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا في حُكْمِ الشَّرِيعَة، أَمَا تَسْمَعُونَ الشَّرِيعَة؟
فإِنَّهُ مَكْتُوب: كَانَ لإِبْراهيمَ ٱبْنَان، واحِدٌ مِنَ الجَارِيَة، ووَاحِدٌ مِنَ الحُرَّة.
أَمَّا الَّذي مِنَ الجَارِيَةِ فقَدْ وُلِدَ بِحَسَبِ الجَسَد، وَأَمَّا الَّذي مِنَ الحُرّةِ فَبِقُوَّةِ الوَعْد.
وفي ذلِكَ رَمْزٌ: فَسَارَةُ وهَاجَرُ تُمَثِّلانِ عَهْدَين، عَهْدًا مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ يَلِدُ لِلعُبُوديَّة، وهُوَ هَاجَر؛
لأَنَّ هَاجَرَ هيَ جَبَلُ سِينَاءَ الَّذي في بِلادِ العَرَب، وتُوافِقُ أُورَشَليمَ الحَالِيَّة، لأَنَّهَا في العُبُودِيَّةِ هيَ وأَوْلادُهَا.
أَمَّا أُورَشَليمُ العُلْيَا فَهِيَ حُرَّة، وهِيَ أُمُّنَا؛
لأَنَّهُ مَكْتُوب: «إِفْرَحِي، أَيَّتُهَا العَاقِرُ الَّتي لَمْ تَلِدْ؛ إِنْدَفِعِي بِالتَّرْنِيمِ وَ ٱصْرُخِي، أَيَّتُهَا الَّتي لَمْ تَتَمَخَّضْ؛ لأَنَّ أَولادَ المَهْجُورَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَولادِ المُتَزَوِّجَة».
إنجيل القدّيس لوقا (1: 57-80)
تَمَّ زَمَانُ إِليصَابَاتَ لِتَلِد، فَوَلَدَتِ ٱبْنًا.
وسَمِعُ جِيرانُهَا وأَقَارِبُها أَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ لَهَا، فَفَرِحُوا مَعَهَا.
وفي اليَوْمِ الثَّامِنِ جَاؤُوا لِيَخْتِنُوا الصَّبِيّ، وسَمَّوْهُ بِٱسْمِ أَبِيهِ زَكَريَّا.
فأَجَابَتْ أُمُّهُ وَقالَتْ: «لا! بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا!».
فقَالُوا لَهَا: «لا أَحَدَ في قَرابَتِكِ يُدْعَى بِهذَا ٱلٱسْم».
وأَشَارُوا إِلى أَبِيهِ مَاذَا يُريدُ أَنْ يُسَمِّيَهُ.
فطَلَبَ لَوْحًا وكَتَب: «إِسْمُهُ يُوحَنَّا!». فَتَعَجَّبُوا جَمِيعُهُم.
وٱنْفَتَحَ فَجْأَةً فَمُ زَكَرِيَّا، وٱنْطَلَقَ لِسَانُهُ، وَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ ويُبَارِكُ ٱلله،
فَٱسْتَولى الخَوْفُ على جَمِيعِ جِيرانِهِم، وتَحَدَّثَ النَّاسُ بِكُلِّ هذِهِ الأُمُورِ في كُلِّ جَبَلِ اليَهُودِيَّة.
وكانَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ بِذلِكَ يَحْفَظُهُ في قَلْبِهِ قَائِلاً: «ما عَسَى هذَا الطِّفْلُ أَنْ يَكُون؟». وكانَتْ يَدُ الرَّبِّ حَقًّا مَعَهُ.
وَٱمْتَلأَ أَبوهُ زَكَرِيَّا مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فَتَنبَّأَ قائِلاً:
«تَبَارَكَ الرَّبُّ، إِلهُ إِسْرَائِيل، لأَنَّهُ ٱفْتَقَدَ شَعْبَهُ وٱفْتَدَاه.
وأَقَامَ لنَا قُوَّةَ خَلاصٍ في بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاه،
كمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ القِدِّيسِينَ مُنْذُ القَدِيم،
لِيُخَلِّصَنَا مِنْ أَعْدَائِنَا، ومِنْ أَيْدي جَمِيعِ مُبغِضِينَا،
ويَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا، ويَذْكُرَ عَهْدَهُ المُقَدَّس،
ذاكَ القَسَمَ الَّذي أَقسَمَهُ لإِبرَاهِيمَ أَبِينَا، بِأَنْ يُنْعِمَ عَلَينا،
وقَدْ نَجَوْنَا مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، أَنْ نَعبُدَهُ بِلا خَوْف،
بِالقَدَاسَةِ والبِرِّ، في حَضْرَتِهِ، كُلَّ أَيَّامِ حيَاتِنَا.
وأَنْتَ، أَيُّهَا الصَّبِيّ، نَبِيَّ العَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَسِيرُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ،
وتُعَلِّمَ شَعْبَهُ الخَلاصَ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُم،
في أَحشَاءِ رَحْمَةِ إِلهِنَا، الَّتي بِهَا ٱفْتَقَدَنَا المُشْرِقُ مِنَ العَلاء،
لِيُضِيءَ على الجَالِسِينَ في ظُلْمَةِ المَوْتِ وظِلالِهِ، ويَهْدِيَ خُطَانَا إِلى طَرِيقِ السَّلام.»
وكَانَ الصَّبيُّ يَكْبُرُ ويَتَقَوَّى في الرُّوح. وكانَ في البَرارِي إِلى يَوْمِ ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيل.