فصح طفولة يسوع 

الأحد بعد الميلاد 

رسالة القدّيس بولس إلى أهل فيلبّي (1: 1-11) 

يا إخوَتِي، مِنْ بُولُسَ وطِيمُوتَاوُس، عَبْدَي المَسيحِ يَسُوع، إِلى جَميعِ القِدِّيسِينَ في المَسِيحِ يَسُوع، الَّذِينَ في فِيلِبِّي، مع الأَساقِفَةِ والشَّمامِسَة:
أَلنِّعْمَةُ لَكُم، والسَّلامُ منَ اللهِ أَبينَا والرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيح!
أَشْكُرُ إِلهِي، كُلَّمَا ذَكَرْتُكُم،
ضَارِعًا بِفَرَحٍ على الدَّوَامِ في كُلِّ صَلَواتِي مِنْ أَجْلِكُم جَمِيعًا،
لِمُشَارَكَتِكُم في الإِنْجِيلِ مُنْذُ أَوَّلِ يَومٍ إِلى الآن.
وإِنِّي لَوَاثِقٌ أَنَّ الَّذي بَدأَ فِيكُم هذَا العَمَلَ الصَّالِحَ سَيُكَمِّلُهُ حتَّى يَومِ المَسِيحِ يَسُوع.
فَإِنَّهُ مِنَ العَدْلِ أَنْ يَكُونَ لي هذَا الشُّعُورُ نَحْوَكُم جَمِيعًا، لأَنِّي أَحْمِلُكُم في قَلبي، أَنْتُم جَميعًا شُرَكائِي في نِعْمَتِي، سَواءً في قُيُودِي أَو في دِفَاعِي عَنِ الإِنْجِيلِ وتَثْبِيتِهِ،
فَإِنَّ اللهَ شَاهِدٌ لي كَمْ أَتَشَوَّقُ إِلَيكُم جمِيعًا في أَحْشَاءِ المَسِيحِ يَسُوع.
وهذِهِ صَلاتي أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُم أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ في كُلِّ فَهْمٍ ومَعْرِفَة،
لِتُمَيِّزُوا مَا هُوَ الأَفْضَل، فتَكُونوا أَنْقِيَاءَ وبِغَيْرِ عِثَارٍ إِلى يَوْمِ المَسِيح،
مُمْتَلِئِينَ مِن ثَمَر البِرِّ بِيَسُوعَ المَسِيحِ لِمَجْدِ اللهِ ومَدْحِهِ.

إنجيل القدّيس لوقا (2: 39-52) 

ولَمَّا أَتَمَّ يُوسُفُ ومَريَمُ كُلَّ ما تَقتَضِيهِ شَرِيعَةُ الرَّبّ، عَادَا بِيَسُوعَ إِلى الجَلِيل، إِلى النَّاصِرَةِ مَدِينَتِهِم.
وكانَ الطِّفْلُ يَكْبُرُ ويَتَقَوَّى ويَمْتَلِئُ حِكْمَة. وكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْه.
وكانَ أَبَوَا يَسُوعَ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ في عِيدِ الفِصْحِ إِلى أُورَشَليم.
ولَمَّا بَلَغَ يَسُوعُ ٱثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، صَعِدُوا مَعًا كَمَا هِيَ العَادَةُ في العِيد.
وبَعدَ ٱنْقِضَاءِ أَيَّامِ العِيد، عَادَ الأَبَوَان، وبَقِيَ الصَّبِيُّ يَسُوعُ في أُورَشَلِيم، وهُمَا لا يَدْرِيَان.
وإذْ كَانَا يَظُنَّانِ أَنَّهُ في القَافِلَة، سَارَا مَسِيرَةَ يَوْم، ثُمَّ أَخَذَا يَطْلُبانِهِ بَيْنَ الأَقارِبِ والمَعَارِف.
ولَمْ يَجِدَاه، فَعَادَا إِلى أُورَشَليمَ يَبْحَثَانِ عَنْهُ.
وَبعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّام، وَجَدَاهُ في الهَيكَلِ جَالِسًا بَيْنَ العُلَمَاء، يَسْمَعُهُم ويَسْأَلُهُم.
وكَانَ جَمِيعُ الَّذينَ يَسْمَعُونَهُ مُنْذَهِلينَ بِذَكَائِهِ وأَجْوِبَتِهِ.
ولَمَّا رَآهُ أَبَوَاهُ بُهِتَا، وقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «يا ٱبْنِي، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذا؟ فهَا أَنَا وأَبُوكَ كُنَّا نَبْحَثُ عَنْكَ مُتَوَجِّعَين!».
فَقَالَ لَهُمَا: «لِمَاذَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلا تَعْلَمَانِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ في مَا هُوَ لأَبي؟».
أَمَّا هُمَا فَلَمْ يَفْهَمَا الكَلامَ الَّذي كَلَّمَهُمَا بِهِ.
ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا، وعَادَ إِلى النَّاصِرَة، وكانَ خَاضِعًا لَهُمَا. وكَانَتْ أُمُّه تَحْفَظُ كُلَّ هذِهِ الأُمُورِ في قَلْبِهَا.
وكَانَ يَسُوعُ يَنْمُو في الحِكْمَةِ والقَامَةِ والنِّعْمَةِ عِنْدَ اللهِ والنَّاس.

الموعظة

إنّ خبر وجود الطفل يسوع في الهيكل وهو في الثانية عشر من عمره، يكتبه القديس لوقا متفرداً به، ونستطيع القول بأن روايات الطفولة تتسم بظاهرة التأليف المتأخر، فالنصوص التي تتحدّث عن طفولة يسوع قد دُوّنت في وقت لاحق. فالإنجيل بحسب مرقس، وهو أول إنجيل دُوّن، لا يتحدث عنِ طفولة يسوع. كما أن يوحنا الذي كَتَبَ متأخراً، فقد ظل صامتاً حول أحداث الطفولة. ولكن متّى ولوقا يرويانها علينا، كلٍ بحسب طريقته. فهناك ما يقرب من ثمانين سنة تفصل ما بين روايات الطفولة والحدث التاريخي نفسه. كان اهتمام الجماعة الأولى ينصبّ في حدث الموت والقيامة الذي حدث ليسوع المسيح وفي خدمته وأعماله والآيات التي عملها.

هذا يقودنا لكي نفهم خبر وجود يسوع في الهيكل وهو في الثانية عشر من عمره، إنطلاقاً من خبر الفصح. وفي الحقيقة كل الكلمات التي استخدمها القديس لوقا في الخبر، تدلّنا مباشرة لحدث الفصح.

مريم ويوسف يمتثلون لمتطلبات الشريعة في كل ما يخص ممارسة الطقوس، فقد قدموا يسوع على يد سمعان الشيخ في الهيكل، و حسب الشريعة المفروضة في سفر التثنية، كان على اليهود أن يصعدوا إلى أورشليم ثلاث مرات في السنة: في أعياد الفصح والعنصرة والمظال. 

يسوع بلغ الثانية عشر من عمره، إنه سن البلوغ في ذلك المجتمع، صار خاضعاً، شأنه شأن الرجال، لمجمل الشرائع اليهودية، حيث يصبح الطفل بالغاً ومسؤولاً أمام الله. إنها أيضاً عتبة المراهقة، وتظهر استقلالية يسوع عن أهله ببقائه في الهيكل وبتركهم الذهاب إلى الناصرة بدونه.

افتقاد يسوع وعدم إيجاده في القافلة العائدة إلى الناصرة، ومع الأقارب والمعارف، يُذكرنا بخبر فقدان يسوع عند القيامة، حيث أنّ القبر كان فارغاً، وذهاب التلاميذ والنسوة إلى القبر للبحث عنه.

ثلاثة أيام من البحث والقلق بشأن يسوع، تقابل مباشرة، بقاء يسوع في القبر ثلاثة أيام، وبعدها يجدونه في الهيكل، فيما لأبيه، حيث أن القيامة من بين الأموات، هي الثبات في الآب. 

على انتقادات وملامة مريم أمه التي تقول له «أبوك» مشيرة إلى يوسف، يجيب يسوع: «أبي» مسميّاً هكذا الله نفسه. بهذه الإجابة يدعوهم ليفهموا بأنه ليس ملكهم، إنما، ما وراء الأبوة الإنسانية، يتجذر في أبوّة أُخرى.

إن مركز ومحور الحدث هو هنا: "«لِمَاذَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلا تَعْلَمَانِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ في مَا هُوَ لأَبي؟»"، هذه الآية، هي أول عبارة نطق بها يسوع عند القديس لوقا، لم نسمع كلمة من يسوع قبلها، وهي سوف تتبلور وتأخذ معناها الأصيل عند الصليب، عندما صرخ يسوع: "يا أبتاه، بين يديك أستودع روحي".

إن أخبار الطفولة تذهب بنا مباشرة لنفهم أن الحياة هي من البداية مع الله وتتجه نحوه، فلا يظن أحدٌ منا أنّ يسوع لم يكن في طفولته مع الله، بل على العكس، منذ نعومة أظافره، يحيا ويتحرك ضمن مجال الآب، ليس بوجه أسطوري لا واقعي، كما نسمع هنا وهناك، أنه كان يصنع معجزات ويتكلم في المهد، بل كان خاضعاً، بكل معنى الكلمة، لحياة الإنسان، التي تحتاج إلى النمو في الحكمة والقامة والنعمة.

إنْ كان الخبر مليئاً بالتلميحات الفصحية، فهذا لكي نعلم أنّ حياتنا هي عبور دائم، يبدأ في الطفولة، عبر التغييرات التي تطرأ على الجسد والنمو في القامة، إلى البلوغ الذي يجد معناها الأصيل، في الحكمة والنعمة. 

تتطور حياة الإنسان وتنمو، لكن لا بد من القرار الحر والواعي، لتجنب الانصياع إلى ما هو ليس لله، فالحكمة تقودنا إلى الخير الأسمى، وإن كنا نرى في العالم خيرات تناسبنا، إلا أنّ الله هو الخير الأسمى لحياتنا.

الله هو النعمة التي علينا أن ننمو فيها، بمعنى أن نقبل الله كهبة مجانية، أعطى الله ذاته لنا، لكي لا نبقى وحيدين، لكي نعرف معنى المحبة الحقيقية، وهي الإنطلاق إلى الآخر. فأنْ نحيا بنعمة الله، هذا يعني أن نستقبل الله نفسه في حياته كعطية حبّ جاد بها هو علينا، وعليه علينا أن نبتعد عن كل ما من شأنه أن يُفقدنا هذا المعنى، فالخيرات الزمنية التي نصفها بأنها نعمة من عند الله، ليست سوى إنعكاساً لعطائه ذاته، ليست هي الهدف، بل هو، الله هو الهدف.

فلنتعلم أخوتي استقبال الله في حياتنا، ونعمل على عدم فقدانه، ونصغي، كما مريم، إلى مبادرة الله، حتى ولو لم نفهمها، لكن ليكن لنا من الإيمان ما يكفي، لنعلم أن القلب المفتوح على حبّ الله، كفيل بأن يكشف لنا أسرار الله وحكمته.

 هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.