رسالة القدّيس بولس إلى أهل غلاطية (4: 19-27) الموعظة ما عسى أن يكون هذا الطفل؟ عند ولادة طفل ما، يستطيع كل من يحمله أو يقترب منه أن يطرح مثل هذا السؤال: ما عسى أن يكون هذا الطفل؟ أما ولادة يوحنا فقد كانت مميزة ومثيرة للجدل في وسط الأهل والأقرباء وكل اليهودية. فالكاهن زكريا وأليشباع امرأته معروفان في المنطقة بفضل مكانتهما الاجتماعية والكهنوتية على حد سواء. وكلنا نعلم بالخرس الذي أصاب الكاهن زكريا عندما بشره الملاك بالحبل بيوحنا، ورغم ذاك سنرى أنه سيصبح حاملاً لكلمة تنادي بأفضال الله وحمده. لقد انفتح فم زكريا وانطلق يتكلم، ولكنه تكلم كنبي، نبيٌ يُعلن إرادة الله ويشرح ما سوف يكون عليه هذا الطفل، يوحنا. نحن هنا على مقاربة مع حدث العنصرة إذ بالعنصرة نطقت الألسن والأفواه وبدأ عالم جديد لمن كانوا خائفين وكذلك مع زكريا الذي قلنا عنه أنه يحمل معنى الإنسان القديم وشعب إسرائيل كله. ولادة يوحنا تسبق ولادة يسوع المسيح بستة أشهر، فنرى بهذا التحديد الزمني ليس تحديداً تاريخياً وإنما إشارة إلى أن كل محاولات الإنسان في العهد القديم لم يصل للكمال، فرقم ستة (6) هو قريب للكمال الذي يُشار إليه برقم سبعة(7)، وبكلام آخر إن من يُحقق الكمال للإنسان هو يسوع المسيح، فهو الإنسان الجديد الذي يحمل كل معنى التغيير والتحوّل ليصبح الإنسان محرراً ومخلصاً. يجدر بنا في هذا الأحد أن نتأمل بكيفية تغيير أنفسنا، وبكيفية الخروج عن التقاليد المتوارثة التي تمنعنا من تحقيق ذواتنا على أكمل وجه، وتحقيق دعوتنا أيضاً. هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا. أحد مولد يوحنا
يَا أَوْلادِيَ الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُم ثَانِيَةً حتَّى يُصَوَّرَ المَسِيحُ فيكُم!
كُنْتُ أَوَدُّ أَنْ أَكُونَ الآنَ حَاضِرًا عِنْدَكُم، وأُغَيِّرَ لَهْجَتِي، لأَنِّي مُحْتَارٌ في أَمْرِكُم!
قُولُوا لي، أَنْتُمُ الَّذِينَ تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا في حُكْمِ الشَّرِيعَة، أَمَا تَسْمَعُونَ الشَّرِيعَة؟
فإِنَّهُ مَكْتُوب: كَانَ لإِبْراهيمَ ٱبْنَان، واحِدٌ مِنَ الجَارِيَة، ووَاحِدٌ مِنَ الحُرَّة.
أَمَّا الَّذي مِنَ الجَارِيَةِ فقَدْ وُلِدَ بِحَسَبِ الجَسَد، وَأَمَّا الَّذي مِنَ الحُرّةِ فَبِقُوَّةِ الوَعْد.
وفي ذلِكَ رَمْزٌ: فَسَارَةُ وهَاجَرُ تُمَثِّلانِ عَهْدَين، عَهْدًا مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ يَلِدُ لِلعُبُوديَّة، وهُوَ هَاجَر؛
لأَنَّ هَاجَرَ هيَ جَبَلُ سِينَاءَ الَّذي في بِلادِ العَرَب، وتُوافِقُ أُورَشَليمَ الحَالِيَّة، لأَنَّهَا في العُبُودِيَّةِ هيَ وأَوْلادُهَا.
أَمَّا أُورَشَليمُ العُلْيَا فَهِيَ حُرَّة، وهِيَ أُمُّنَا؛
لأَنَّهُ مَكْتُوب: «إِفْرَحِي، أَيَّتُهَا العَاقِرُ الَّتي لَمْ تَلِدْ؛ إِنْدَفِعِي بِالتَّرْنِيمِ وَ ٱصْرُخِي، أَيَّتُهَا الَّتي لَمْ تَتَمَخَّضْ؛ لأَنَّ أَولادَ المَهْجُورَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَولادِ المُتَزَوِّجَة».
إنجيل القدّيس لوقا (1: 57-80)
تَمَّ زَمَانُ إِليصَابَاتَ لِتَلِد، فَوَلَدَتِ ٱبْنًا.
وسَمِعُ جِيرانُهَا وأَقَارِبُها أَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ لَهَا، فَفَرِحُوا مَعَهَا.
وفي اليَوْمِ الثَّامِنِ جَاؤُوا لِيَخْتِنُوا الصَّبِيّ، وسَمَّوْهُ بِٱسْمِ أَبِيهِ زَكَريَّا.
فأَجَابَتْ أُمُّهُ وَقالَتْ: «لا! بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا!».
فقَالُوا لَهَا: «لا أَحَدَ في قَرابَتِكِ يُدْعَى بِهذَا ٱلٱسْم».
وأَشَارُوا إِلى أَبِيهِ مَاذَا يُريدُ أَنْ يُسَمِّيَهُ.
فطَلَبَ لَوْحًا وكَتَب: «إِسْمُهُ يُوحَنَّا!». فَتَعَجَّبُوا جَمِيعُهُم.
وٱنْفَتَحَ فَجْأَةً فَمُ زَكَرِيَّا، وٱنْطَلَقَ لِسَانُهُ، وَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ ويُبَارِكُ ٱلله،
فَٱسْتَولى الخَوْفُ على جَمِيعِ جِيرانِهِم، وتَحَدَّثَ النَّاسُ بِكُلِّ هذِهِ الأُمُورِ في كُلِّ جَبَلِ اليَهُودِيَّة.
وكانَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ بِذلِكَ يَحْفَظُهُ في قَلْبِهِ قَائِلاً: «ما عَسَى هذَا الطِّفْلُ أَنْ يَكُون؟». وكانَتْ يَدُ الرَّبِّ حَقًّا مَعَهُ.
وَٱمْتَلأَ أَبوهُ زَكَرِيَّا مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فَتَنبَّأَ قائِلاً:
«تَبَارَكَ الرَّبُّ، إِلهُ إِسْرَائِيل، لأَنَّهُ ٱفْتَقَدَ شَعْبَهُ وٱفْتَدَاه.
وأَقَامَ لنَا قُوَّةَ خَلاصٍ في بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاه،
كمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ القِدِّيسِينَ مُنْذُ القَدِيم،
لِيُخَلِّصَنَا مِنْ أَعْدَائِنَا، ومِنْ أَيْدي جَمِيعِ مُبغِضِينَا،
ويَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا، ويَذْكُرَ عَهْدَهُ المُقَدَّس،
ذاكَ القَسَمَ الَّذي أَقسَمَهُ لإِبرَاهِيمَ أَبِينَا، بِأَنْ يُنْعِمَ عَلَينا،
وقَدْ نَجَوْنَا مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، أَنْ نَعبُدَهُ بِلا خَوْف،
بِالقَدَاسَةِ والبِرِّ، في حَضْرَتِهِ، كُلَّ أَيَّامِ حيَاتِنَا.
وأَنْتَ، أَيُّهَا الصَّبِيّ، نَبِيَّ العَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَسِيرُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ،
وتُعَلِّمَ شَعْبَهُ الخَلاصَ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُم،
في أَحشَاءِ رَحْمَةِ إِلهِنَا، الَّتي بِهَا ٱفْتَقَدَنَا المُشْرِقُ مِنَ العَلاء،
لِيُضِيءَ على الجَالِسِينَ في ظُلْمَةِ المَوْتِ وظِلالِهِ، ويَهْدِيَ خُطَانَا إِلى طَرِيقِ السَّلام.»
وكَانَ الصَّبيُّ يَكْبُرُ ويَتَقَوَّى في الرُّوح. وكانَ في البَرارِي إِلى يَوْمِ ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيل.
لكل مجتمع عاداته وتقاليده، وكان التقليد أن يُسمى الطفل على اسم أبيه، وهنا نادى كل من أليشباع وزكريا بأن اسم المولود الجديد لن يدخل ضمن تقليد المجتمع المحيط بهم، فقد توحدت الكلمة بينهما طاعةً لأمر الملاك، وسمياه يوحنا، هذا الاسم الذي يعني أكثر من مجرد اسم قاله الملاك، بل يعني حنان الله، أو نعمة الله، لذا فهو يحمل معنى التحرير والخلاص.
وهنا وقع المجتمع بحيرة كبيرة ليس فقط من تغيير الاسم، بل وأكثر من ذلك، هل سيكون هذا الطفل كاهناً؟ فالتقليد يقول أيضاً ابن الكاهن كاهن.
فهل سيسير يوحنا على خطى والده؟
هناك دائماً خوف من التغيير، ومن تغيير المتعارف عليه والمألوف لدينا، فنُحِسّ أمام كل تغيير بأن النظام الاجتماعي برمته مهدد بالتشتت والبلبلة، إلا أننا هنا، في هذا الحدث الذي هو ولادة يوحنا، أمام تغيير بمثابة تحوّل للإنسان برمته، وعليه فإن قبول التغيير بات ضرورياً، أقله على المستوى الشخصي، فلكي يُحقق الإنسان دعوته عليه أن يخرج من كل التقاليد، فكل إنسان يولد تولد معه دعوته.
فهل سيكون هذا هو المسيح الذي ينظره الشعب؟ هذا لسان حال الجميع عند ولادة يوحنا، ولكننا سنرى يوحنا نفسه سيقول لا إني لست المسيح، وهو سيشير إلى المسيح، فدعوته تتكلل بأن يُهيأ الطريق أمام المسيح ويرد قلوب الأبناء إلى الآباء.