الأوقات الصعبة 

الأحد السابع بعد الصليب 

رسالة القدّيس بولس الثانية إلى طيموتاوس (3: 1-9) 

يا إخوَتِي، إِنَّهَا سَتَأْتي في الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَوقَاتٌ صَعْبَة،

فيَكُونُ النَّاسُ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِم، مُحِبِّينَ لِلمَال، مُدَّعِين، مُتَكَبِّرِين، مُجَدِّفِين، عَاقِّينَ لِلوالِدِين، نَاكِرِينَ لِلجَمِيل، مُنْتَهِكِينَ لِلحُرُمَات،

بِلا حَنَان، بلا وَفَاء، مُفْتِنِين، نَهِمِين، شَرِسِين، مُبْغِضِينَ لِلصَّلاح،

خَائِنِين، وَقِحِين، عُمْيَانا بِالكِبْرِيَاء، مُحِبِّينَ لِلَّذَّةِ أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِم لله،

مُتَمَسِّكِينَ بِمَظْهَرِ التَّقْوَى، نَاكِرِينَ قُوَّتَهَا: هؤُلاءِ النَّاسُ أَعْرِضْ عَنْهُم!

فَمِنْهُم مَنْ يَتَسَلَّلُونَ إِلى البُيُوت، ويُغْوُونَ نِسَاءً ضَعيفَاتٍ، مُثْقَلاتٍ بِالْخَطايَا، مُنْقَادَاتٍ لِشَهَواتٍ شَتَّى،

يتَعَلَّمْنَ دَائِمًا ولا يُمْكِنُهُنَّ البُلُوغَ إِلى مَعرِفَةِ الحَقِّ أَبَدًا.

وكَمَا أَنَّ يَنِّيسَ ويَمْبَرِيسَ قَاوَمَا مُوسى، كَذلِكَ هؤُلاءِ يُقاوِمُونَ الْحَقَّ. إِنَّهُم أُنَاسٌ فَاسِدُو العَقْل، غيرُ أَهْلٍ لِلإِيْمَان.

لكِنَّهُم لَنْ يَتَمَادَوا أَكْثَر، لأَنَّ حَمَاقَتَهُم سَتَنْكَشِفُ لِلجَميعِ كَمَا ٱنْكَشَفَتْ حَمَاقَةُ يَنِّيسَ ويَمْبَرِيس.

إنجيل القدّيس مرقس (7: 1-13)

وتَجَمَّعَ لَدَى يَسُوعَ الفَرِّيسِيُّونَ وبَعْضُ الكَتَبَةِ القَادِمِينَ مِنْ أُورَشَليم.

ورَأَوْا بَعْضَ تَلامِيذِهِ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ بِأَيْدٍ نَجِسَة، أَيْ غَيْرِ مَغْسُولَة.

وكانَ الفَرِّيسِيُّون، وكُلُّ اليَهُود، لا يَأْكُلُونَ مَا لَمْ يَغْسِلُوا أَيْدِيَهُم حَتَّى المِعْصَم، مُتَمَسِّكِينَ بِتَقْلِيدِ الشُّيُوخ.

وإِذَا عَادُوا مِنَ السُّوق، لا يَأْكُلُونَ مَا لَمْ يَغْتَسِلُوا. وَأُمُورٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ تَسَلَّمُوها، وَهُم يَتَمَسَّكُونَ بِهَا، كَغَسْلِ كُؤُوسٍ وَأَبَارِيقَ وآنِيَةِ نُحَاسٍ وَأَسِرَّة.

فسَأَلَهُ الفَرِّيسِيُّونَ والكَتَبَة: « لِمَاذَا لا يَسْلُكُ تَلامِيذُكَ بِحَسَبِ تَقْلِيدِ الشُّيُوخ، بَلْ يتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِأَيْدٍ نَجِسَة؟».

فقالَ لَهُم: «حَسَنًا تَنَبَّأَ آشَعْيا عَلَيْكُم أَنْتُمُ المُرَائِين، كمَا هُوَ مَكْتُوب: هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُني بِشَفَتَيْه، أَمَّا قَلْبُهُ فبَعِيدٌ جِدًّا عَنِّي.

وبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي، وَهُم يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ لَيْسَتْ إلاَّ وَصَايَا بَشَر.

لَقَدْ تَرَكْتُم وَصِيَّةَ الله، وتَمَسَّكْتُم بِتَقْلِيدِ النَّاس!».

وقالَ لَهُم: «إِنَّكُم تُحْسِنُونَ رَفْضَ وَصِيَّةِ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُم!

فقَدْ قَالَ مُوسَى: أَكرِمْ أَبَاكَ وأُمَّكَ. ومَنْ يَلْعَنُ أَبَاهُ أَو أُمَّهُ، فَلْيُقْتَلْ قَتْلاً.

أَمَّا أَنْتُم فتَقُولُون: إِذَا قالَ أَحَدٌ لأَبِيهِ أَوْ لأُمِّهِ: مَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُسَاعِدَكَ بِهِ قَدَّمْتُهُ قُرْبَانًا لِلْهَيْكَل،

فإِنَّكُم لا تَعُودُونَ تَسْمَحُونَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا لأَبِيهِ أَوْ لأُمِّهِ.

وهكذَا تُبْطِلُونَ كَلِمَةَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذي تنَاقَلْتُمُوه. وأُمُورًا كَثِيرَةً مِثْلَ هذِهِ تَفْعَلُون».

الموعظة

هل وصلنا إلى الأوقات الصعبة التي تحدث عنها القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلى تلميذه طيموتاوس؟ " فيَكُونُ النَّاسُ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِم، مُحِبِّينَ لِلمَال، مُدَّعِين، مُتَكَبِّرِين، مُجَدِّفِين، عَاقِّينَ لِلوالِدِين، نَاكِرِينَ لِلجَمِيل، مُنْتَهِكِينَ لِلحُرُمَات، بِلا حَنَان، بلا وَفَاء، مُفْتِنِين، نَهِمِين، شَرِسِين، مُبْغِضِينَ لِلصَّلاح، خَائِنِين، وَقِحِين، عُمْيَانا بِالكِبْرِيَاء، مُحِبِّينَ لِلَّذَّةِ أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِم لله، مُتَمَسِّكِينَ بِمَظْهَرِ التَّقْوَى، نَاكِرِينَ قُوَّتَهَا: هؤُلاءِ النَّاسُ أَعْرِضْ عَنْهُم!فَمِنْهُم مَنْ يَتَسَلَّلُونَ إِلى البُيُوت، ويُغْوُونَ نِسَاءً ضَعيفَاتٍ، مُثْقَلاتٍ بِالْخَطايَا، مُنْقَادَاتٍ لِشَهَواتٍ شَتَّى، يتَعَلَّمْنَ دَائِمًا ولا يُمْكِنُهُنَّ البُلُوغَ إِلى مَعرِفَةِ الحَقِّ أَبَدًا. "

لا يعني أبداً وصولنا إلى هذه الأوقات الصعبة أنها لم تكن موجودة من قبل، حتى في أيام القديس بولس، مما يعني أن الزمان الماضي والحاضر والمستقبل لا يخلو من هذه التحديات التي تواجه تلاميذ الرب. فالثبات في الحب، ومواجهة الأوقات الصعبة بإرادة طيبة وقوية، هو ما يضمن حياتنا وعلاقتنا مع الله.

لا نظن في أنفسنا أن التحديات تأتي فقط من خارج الجماعة المسيحية، بل بالأكثر، من داخلها، فهناك الكثير من المعلمين الكذبة، المخادعون و المخدوعون، هؤلاء رسل نسوا الرسالة، وتلاميذ خانوا تعليم معلمهم، همّهم الوحيد أن يجنوا، في هذا العالم، مجداً باطلاً، وثروةً زائفة وزائلة.

كلام القديس بولس مستند في هيكليته ومضمونه على كلام الرب يسوع المسيح، فإنجيل اليوم يصرخ في وجه المعلمين الكذبة، الذين يحافظون، في الظاهر على وصية الله، وفي الداخل، هم أنجاس.

الفريسيون والكتبة يسألون الرب يسوع عن تقاليد الشيوخ التي نقدها التلاميذ، وكان جواب يسوع: "حَسَنًا تَنَبَّأَ آشَعْيا عَلَيْكُم أَنْتُمُ المُرَائِين، كمَا هُوَ مَكْتُوب: هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُني بِشَفَتَيْه، أَمَّا قَلْبُهُ فبَعِيدٌ جِدًّا عَنِّي". حيث يعلن يسوع بأن المصدر الحقيقي للنجاسة هو في قلب الإنسان وليس بالأعمال التي يقوم بها.

ويقول الأب رامي الياس اليسوعي في هذا المضمار: "رهان هذا الإعلان ليسوع كبير جداً، لأنه إن كانت الطهارة لا تكمن في الطقوس، إنما في استقامة القلب، فهذا يعني أن الوثني الأمين لضميره يمكن أن يكون طاهراً أيضاً، أو أكثر طهارة من اليهودي، وبالرغم من أنه ليس من الشعب المختار، يمكنه أن يجد لنفسه مكاناً في الملكوت الذي يعلن عنه يسوع! وهذه الفكرة لا تطاق لدى من يفكر بالاختيار على أنه إقصاء." (تجدون نص الموعظة في هذا الرابط).

إن التقاليد والطقوس الخاصة بكل جماعة على وجه الأرض، تحددها وتقوقعها، وتجعلها منغلقة على ذاتها، بعكس الحب، الذي يفتح المجال أمام كل إنسان، ليرتبط بالله وبالإنسان. أما وأن يوجد في قلب الجماعة نفسها من يفعل التناقض، فهذا هو محور حديثنا اليوم.

ألا يُشارك المسيحي اليوم في زيف الحياة الاجتماعية؟ بل أكثر من ذلك، ألا يُشارك في زيف الحياة المسيحية والروحية؟ إنه لمن المعيب بحق مسيحنا أن نبقى على هذه الحال.

ماذا سيكون في "الأيام الأخيرة"؟ فساد البشريّة. الأنانيّة هي المسيطرة، وسلطتها تستبعد كل شريعة سوى شريعتها: شريعة الله، شريعة الوالدين، شريعة العلاقات مع القريب. هؤلاء الوحوش الذين لا قلب لهم هم ثمرة جيل شيطانيّ (يو 8: 44). يقيمون حتّى في الكنيسة فيحافظون على ظاهر الدين.
الانسان يحبّ نفسه، كما قال أفلاطون وأرسطو. أما "الأنانيّ"، فيتركّز على ذاته، ويحبّ نفسه بحيث يضيع الحسّ الخلقيّ عنده. فتصبح نفسه لادينيّة في عمقها. الأنانيّ يعتبر نفسه المقياس، فيَعبد نفسه، ويصبح إله نفسه. 

كيف تظهر الأنانيّة؟ في حب المال، في الجشع. هو أصل جميع الشرور (1تم 6: 9- 10). الجشع (والبخل) رذيلة الفريسيين (لا 16: 14)، ورذيلة السفسطائيّين الذين يبيعون الكلام، والفلاسفة الذين يشوِّهون الحقيقة، والهراطقة (تي 1: 11) الذين يبيعون الايمان. والعجرفةُ رذيلة الإنسان الغني ورجل السياسة، والبليغ والفيلسوف. المتعجرف يحاول أن يرتفع، وبالتالي يحتقر الآخرين. وهناك المتكبّر والشتّام (1تم 1: 20؛ 6: 4؛ أع 6: 11؛ 2بط 2: 11). (راجع الأب بولس فغالي في شرح رسالة القديس بولس الثانية إلى تلميذه طيموتاوس من هنا)  

اليوم تعلو أصوات الشعوب منددة بفساد المسؤولين، والهدف هو العيش الكريم، وهو كشف الفاسدين في سرقاتهم لحقوق الشعب. والسؤال هنا هو، كيف تكون مسؤولاً عاماً عن مصلحة الشعب وتعمل على مصلحتك الشخصية؟ اعتبر هذا بيتك، عائلتك، أتستطيع أن تخون أهل بيتك؟

وهنا الجواب على هذه الأسئلة هو في رسم كل إنسان، والجواب الحقيقي الذي يسري على الجميع هو في أن نعمل بالحق وللحق. فنبتعد أولاً عن الأنانية، مصيبة المصائب، ومن ثم نفتح مجالاً للحب ليملأ قلوبنا، فلا نُقصي أحداً، ولا نُصغّر أحداً، فيَنعم الجميع بحياة كريمة.

لتكن قلباً وقالباً في الحب، أبقِ قلبك قريباً من الله .. لا تكرمه بشفتيك فقط، إن كانت النجاسة تأتي من الخارج، فلقد أوضح يسوع أنها تأتي من الداخل، ولذلك بنفس الفعل اجعل القداسة من الداخل وليس من الخارج.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.