إن المعمودية هي التغطيس في عنصر الموت الذي هو ماء، وهذا يأخذنا بشكل أعمق إلى فهم الرموز والدلائل في العهد القديم حيث نجد طوفان نوح وعبور الشعب مع موسى النبي للبحر الأحمر وخروج الماء من الصخرة ليروي شعب الله، ونزول نعمان السوري في نهر الأردن وعبور الشعب في نهر الأردن لدخول الأرض الموعود بها، كل هذه كانت علامات لأمر واحد ألا وهو الفصح، العبور من الموت إلى الحياة. "وهكذا فإن ماء العماد بإمكانه أن يمثّل سر صليب المسيح وأن يعيد اختبارات الموت والخلاص الكبرى الموجودة في العهد القديم، ولا سيما عبور البحر الأحمر العجائبي. هذه الاختبارات تبشّر هكذا بالصليب الذي ترى فيه المركز الخفي لكل تاريخ الخلاص. هكذا نرى أنّ التوبة تمرّ بموت، وأنّ الطريق والحق ومغامرة الحبّ تمرّ بالبحر الأحمر، وأنّ أرض الميعاد لا تُبلغ إلاّ من خلال آلام وموت مَن هو الحق".(رتزنغر) لا يمكننا فصل أي مشهد من حياة يسوع عن معنى الفصح، فبكل ما عمل وعلّم كان هناك عملية العبور والتحول. إن عيشنا اليوم لمعنى معمودية يسوع يختلف كلياً عن المعنى العميق والجوهري لمفهوم الفصح العمادي، عيشنا اليوم متوقف عند رشة ماء على جدران، ورشفة ماء نستقيها لنتبارك منها وتزول أمراضنا الجسدية، إلى أكلة (زلابية)، إلى مفهوم عن أشجار تحني أغصانها في ليلة العيد.. الخ، ألا نرى أنفسنا أننا ابتعدنا عن مفهوم فصحنا العمادي؟ إن عيد الغطاس أو الدنح، كما نسميه نحن السريان، هو حدث فصحي بامتياز، به نصير أبناء الله ونولد ولادة جديدة، به نتغير ونتحول عن الإنسان العتيق لنصير خليقة جديدة، به نموت مع المسيح ونحيا معه، به ننتقل من العمى إلى النظر ومن البُكم إلى الكرازة ومن بشرية عقيمة إلى إنسانية خصيبة، به يصير كل إنسان مسيح آخر يعلن الحب دستور حياة. هذه كلمات وجيزة جداً جداً لمفهوم عيد الغطاس أو الدنح أو معمودية يسوع، أردت بها أن أطلق العنان للعقول والقلوب لتتأمل وتلج في فهم سر العماد الإلهي. كل عام وأنتم منتقلون وعابرون من الموت إلى الحياة.المعمودية فصح