“واغفر لنا خطايانا، لأننا نحن أيضًا نغفر لكل من يُذنب إلينا”(لوقا 11: 4) يقول القدّيس أغسطينوس: “واغفر لنا ما علينا“… إننا مدينون بالخطايا لا بالمال، “إن قلنا أنه ليس لنا خطيّة نُضلّ أنفسنا وليس الحق فينا“ (1يوحنا 1: 8). إننا نلنا سرّ المعموديّة، ومع ذلك فنحن مدينون، ليس لأن المعموديّة لم تغفر خطيّة معيّنة بل لأننا نفعل في حياتنا ما نحتاج إلى مغفرته كل يوم. أيُّ إنسان يعيش هنا ولا يحتاج إلى هذه الصلاة؟! إنه متكبّر لا يستطيع أن يتبرّر. خير له أن يتمثل بالعشّار ولا يتكبّر كالفرّيسي الذي صعد إلى الهيكل متباهيًا باستحقاقه، خافيًا جراحاته، أمّا الذي قال: “اللهم ارحمني أنا الخاطئ” (لو 18: 13) فقد عرف أين يصعد. انظروا أيها الإخوة… فقد علّم الرب يسوع تلاميذه الذين هم رسله الأوّلين العظماء، قادة قطيعنا، أن يصلّوا بهذه الطلبة. فإن كان القادة يصلّون من أجل غفران خطاياهم، كم بالأكثر ينبغي علينا نحن الحملان!… الصلاة مع الإحسان يرفعان الخطايا، بشرط ألا نرتكب تلك الخطايا التي بسببها نُحرم من الخبز اليومي (سّر الافخارستيا). لنتجنّب كل الآثام التي تستحق تأديبيات قاسية… إنه عهد وميثاق بيننا وبين الله! الرب إلهنا يقول: اغفروا يغفر لكم، فإن لم نغفر نبقى في خطايانا ضدّ أنفسنا وليس ضدّه… اغفروا من قلوبكم التي يراها الله، إذ أحيانًا يغفر الإنسان بفمه لكنّه يحتفظ بها في قلبه. يغفرها بفمه من أجل البشر، ويحتفظ بها في قلبه إذ لا يخاف من عينيّ الله. ويقول القدّيس كبريانوس: بعد طلب الطعام نسأل الصفح عن الخطيّة، لأن من يقوته الله يلزم أن يحيا في الله، فلا يكون رجاؤه بالحياة الحاضرة الزمنيّة فحسب وإنما بالأبديّة أيضًا، التي نأتي إليها متى غُفرت الخطيّة، هذه التي دعاها السيّد “ديونًا”، حسب قوله في إنجيله: “كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إليّ” (مت 18: 32). إنه من الضروري واللائق والنافع لنا أن يذكرنا الرب بأنّنا خطأة، إذ يلزمنا سؤال الصفح عن خطايانا، فبالتماسنا الصفح عنها من الله نتذكّر حالة الخطيّة التي عليها ضمائرنا، ولئلا يتعجرف أحد ويظن في نفسه أنه بار فيهلك بكبريائه إلى النهاية، لذلك نتعلّم من هذه الطلبة أننا نخطئ كل يوم. هكذا يحذّرنا الرسول يوحنا في رسالته: “إن قلنا أنه ليس لنا خطيّة نُضلّ أنفسنا، وليس الحق فينا، إن اعترفنا بخطايانا (فالرب) أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا” (1 يو 1: 8-9). والقدِّيس كيرلس الأورشليمي يقول: الإساءات إلينا صغيرة وطفيفة، ومن السهل علينا إن نغفرها، أما إساءتنا نحن نحو الله فكبيرة ولا سبيل لنا غير محبَّته للبشر، فاحذر إذن من أن تمنع الله – بسبب ما لحق بك من إساءات صغيرة طفيفة – إن يغفر لك ما ارتكبته نحوه من ذنوب كبيرة. الطلبة للمغفرة مملوءة اعترافًا، فإن من يسأل الغفران إنما يعترف بجريمته.(العلامة ترتليان) والأب أوغريس يقول: أي تهوُّر، أن تقضي يومًا بدون صلاة عندما ترفض التصالح مع أخيك، أو تحتفظ بالغضب فتخسر صلاتك؟ كل عمل انتقامي تأتيه ضِد أخ أذاك، سيكون لك حجر عثْرة عند الصلاة. الحقد يعمي عقل المُصلِّي، ويغلِّف صلاته بسحابة ظلام. ليس أحد يحب الصلاة الحقيقية ويعطي لنفسه مجالاً للغضب أو الحقد… فإنه يشبه إنسانًا يريد إن يكون ذا نظر ثاقب ويقلع عينيه. إنها لأقوال ثمينة، تعرّفنا على حقيقة الغفران في العلاقات مع الناس، وذلك لأن لنا علاقة مع الله ونريده أن يغفر لنا. إذا كنا نريد المغفرة لجميع ما لدينا من ديون ، علينا أن نكون على استعداد لإعفاء جميع المدينين لنا بخطاياهم. إن مشكلة عالمنا اليوم تكمن في عدم الغفران والمسامحة وترك الديون لبعضنا البعض، إما على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي أو الدولي، وكل هذا بسبب انعدام العلاقة الشخصية الصحيحة والصحية مع الله. لذلك على كلٍ منا أن يُسرع لتصحيح علاقته بالله والآخرين. إنها مهمة فردية.. تكبر يوماً بعد يوم، وتنتشر في محيطنا الضيق، وتصل لعالم أوسع.الجزء الصعب من صلاة الأبانا..!
صلاة:
” لك يا رب أرفع يداي وكلي ثقة بك أنك مانح العطايا الحسنة لأبنائك، فهب لنا غفراناً لخطايانا، وامح عدم غفراننا لبعضنا، وأجزل بكثرة رأفتك، محبةً في قلوبنا، حتى نعمل جاهدين، على اتمام ما نصلي به إليك ، آمين.”