سلاح الله الأوحد 

الأحد الثالث بعد العنصرة 

رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل قورنتس (3: 16-23. 4: 1-5)  

أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُم هَيْكَلُ ٱلله، وَأَنَّ رُوحَ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُم؟

فَمَنْ يَهْدُمُ هَيْكَلَ اللهِ يَهْدُمُهُ الله، لأَنَّ هَيْكَلَ ٱللهِ مُقَدَّس، وهُوَ أَنْتُم!

فَلا يَخْدَعَنَّ أَحَدٌ نَفْسَهُ! إِنْ ظَنَّ أَحَدٌ بَيْنَكُم أَنَّهُ حَكِيمٌ بِحِكْمَةِ هذَا الدَّهْر، فَلْيَصِرْ أَحْمَقَ لِيَصِيرَ حَكِيمًا!

لأَنَّ حِكْمَةَ هذَا العَالَمِ حَمَاقَةٌ عِنْدَ الله، فإِنَّهُ مَكْتُوب: «أَلرَّبُّ يَأْخُذُ الحُكَمَاءَ بِمَكْرِهِم»،

وَمَكْتُوبٌ أَيْضًا: «أَلرَّبُّ يَعْلَمُ أَفْكَارَ الحُكَمَاءِ إِنَّهَا بَاطِلَة».

إِذًا فَلا يَفْتَخِرَنَّ أَحَدٌ بِأَيِّ إِنْسَان، لأَنَّ كُلَّ شَيءٍ هُوَ لَكُم،

أَكَانَ بُولُس، أَمْ أَبُلُّوس، أَمْ كِيفَا، أَمِ العَالَم، أَمِ الحَيَاة، أَمِ المَوْت، أَمِ الحَاضِر، أَمِ المُسْتَقْبَل: كُلُّ شَيءٍ هُوَ لَكُم،

أَمَّا أَنْتُم فَلِلْمَسِيح، والمَسِيحُ لله!

هكَذَا فَلْيَحْسَبْنَا كُلُّ إِنْسَانٍ مِثْلَ خُدَّامٍ لِلمَسِيح، ووُكَلاءَ عَلى أَسْرَارِ ٱلله.

وكُلُّ مَا يُطلَبُ مِنَ الوُكَلاءِ هوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم أَمِينًا.

أَمَّا أَنَا فأَقَلُّ شَيْءٍ عِنْدِي أَنْ تَدِينُونِي أَنْتُم أَوْ أَيُّ مَحْكَمَةٍ بَشَرِيَّة، بَلْ وَلا أَنَا أَدِينُ نَفْسِي؛

لأَنِّي لا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ يُؤَنِّبُنِي، لكِنَّ هذَا لا يُبَرِّرُني، إَنَّمَا دَيَّانِي هُوَ الرَّبّ.

إِذًا فلا تَدِينُوا قَبْلَ الأَوَان، إِلى أَنْ يَأْتِيَ الرَّبّ. فَهوَ الَّذي يُنِيرُ خَفَايَا الظَّلام، وَيُظْهِرُ نِيَّاتِ القُلُوب، وحينَئِذٍ يَنَالُ كُلُّ وَاحِدٍ مَدِيْحَهُ مِنَ ٱلله.

إنجيل القدّيس متّى (10: 34-42)

قالَ الرَبُّ يَسوعُ لِتلاميذِهِ: «لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ عَلى الأَرْضِ سَلامًا، مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلامًا بَلْ سَيْفًا.

جِئْتُ لأُفَرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأَبِيْه، والبِنْتِ وأُمِّهَا، والكَنَّةِ وحَمَاتِهَا.

وأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ.

مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَو أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلا يَسْتَحِقُّني. ومَنْ أَحَبَّ ٱبْنًا أَوِ ٱبْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلا يَسْتَحِقُّنِي.

ومَنْ لا يَحْمِلُ صَلِيبَهُ ويَتْبَعُنِي فَلا يَسْتَحِقُّنِي.

مَنْ وَجَدَ نَفْسَهُ يَفْقِدُهَا، ومَنْ فَقَدَ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا.

مَنْ يَقْبَلُكُم يَقْبَلُنِي، ومَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ مَنْ أَرْسَلَني.

مَنْ يَقْبَلُ نَبِيًّا لأَنَّهُ نَبِيٌّ يَنَالُ أَجْرَ نَبِيّ. ومَنْ يَقْبَلُ صِدِّيقًا لأَنَّهُ صِدِّيقٌ يَنَالُ أَجْرَ صِدِّيق.

ومَنْ سَقَى كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ أَحَدَ هؤُلاءِ الصِّغَارِ لأَنَّهُ تِلْمِيذ، فَٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ لَنْ يَفْقِدَ أَجْرَهُ».

الموعظة

لا يمكن فهم كلمات يسوع عن إلقاء السيف على الأرض لا السلام على أنها نيّته، بل هي ما يتوقعه، أو بكلام آخر هي نتيجة تواجه كل من يتبع يسوع. هي ليست ما أتى به إلينا، وإنما هي ما سيحدث لنا عند اتباعه.

كلمة سلام بالعبرية (شلوم) لا تعني فقط ما يعاكس الحرب، بل معناها يحمل الفرح والازدهار والنجاح والسعادة من أجل البشر. وهي تصف العلاقات الشخصية والاجتماعية والظروف الجماعية. وتصف بشكل خاص العلاقة مع الله، وبخاصة ما يحمله الله في نهاية الأزمنة، وهنا يأخذ السلام معنى اسكاتولوجيّاً أي أبدياً.

أما السيف، فهو يدلّ فيما يدّل عليه، إلى القطع والفصل، وإذا كان السيف يستخدم في الحروب لمنع المعتدي من الاستيلاء على أرضنا وممتلكاتنا، فالفكرة هي ذاتها، أي أننا عندما نكون مع الله يجب أن نحارب ضد كل ما يُبعدنا عنه وعن ذواتنا. 

حياتنا هي حياة حرب، الحرب موجودة طالما أنا (الإنسان) موجود، ويبقى الفرق فيما إذا كانت الحرب مع الإنسان أو ضده. وهنا نحن لا نتحدث عن الحروب التي نشهدها بين جيوش الدول، رغم أنها، في الباطن، تأخذ المعنى ذاته، ولكننا نتكلم عن هذا الصراع الداخلي منه والخارجي، الذي يتفق وحياة الإنسان أو يُدمرها. لذلك الرب يسوع هو ذاك السيف، أو، إن صح التعبير، تلك الأداة التي تمكننا من أن نحيا بسلام عندما، به، ننفصل عن كل ما يؤذي حقيقتنا الإنسانية ويبعدنا عن أن نحقق تلك العلاقة المقدسة مع الله ومع بعضنا البعض. 

مع الأسف أن نشر الحب في العالم يحمل مهمة شاقة وصعبة، ويُثير العداوة بين الناس، ويبدو أن إعلان الحب مسيرةَ حياةٍ، يُثير الحقد عند أولئك الذين اختاروا الحقد، مسيرةً لحياتهم. لا ننسى أن حديث يسوع في نص إنجيل اليوم، هو موجّه للتلاميذ الذين سوف يُرسلهم لينشروا ثقافة الحب، أي ملكوت الله، والذين نحن بدورنا، خلفاء لهم.

وجود يسوع هو علامة فارقة في العالم، هو تلك العلامة التي تكشف حقد وعداوة الإنسان تجاه أخيه، هو العلامة التي يفتقر إليها الإنسان ليسير في الطريق الصحيح، وهنا يأتي دور الخيارات الإنسانية، حيث أن هذه الخيارات لا تصب دوماً في صالح الإنسان ولكل إنسان، وإنما تعمل على تحقيق الذات دون الآخر، وبنسف الآخر وإلغائه.

قد يُفهم هذا الكلام بطريقة خاطئة، حيث أن هناك أناساً يستخدمون كلام يسوع عن السيف لتبرير أعمال العنف، وشن الحروب على الآخرين، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بنشر الدين، وهذا ما نراه في عالمنا ويا للأسف، حين نأخذ من الدين ذريعة لتبرير أعمال العنف. وعلى عكس ذلك، فالكتاب المقدس يُظهر الله مدافعاً عن الإنسان ويصارع من أجله، فليس على الإنسان أن يدافع عن الله.

في النهاية يريد يسوع أن يصل تلاميذه إلى مفهوم رسالتهم وما تحملها من مشقات، فهم مدعوون على مثاله، إلى نشر الحبّ في كل إنسان، وبالتالي في كل مجتمع، ومما لا شك فيه أن تبني الحب طريقة حياة، يجعل من التلميذ علامةً فارقة في محيطه، في حين من الممكن أن يسود ذاك المحيط كل شيء ما عدا الحب.

سوف يعرف التلاميذ أن الحرب تنتظرهم، وما يجعلهم أقوياء، هو حضور الله معهم، فلا يستخدمون أسلحةً من صنع البشر لينشروا ما يريده الله، بل يستخدمون سلاح الله الأوحد، الذي هو الحب. وهكذا نرى أن التلاميذ، منذ نشأة الكنيسة، لم يهابوا موت أجسادهم، لأنهم كانوا يركّزون على نفوسهم وما تحيا مع الله ومن أجله الله.

في الختام، يقول يسوع في كلامه اليوم، أن الله هو المبدأ لكل إنسان، ولكن ليس كل إنسان يتبنى في حياته هذا المبدأ، ومن هنا تأتي الخصومات، حيث لا سلام. في حين أن من يتبنى هذا المبدأ، وإذا تبنى كل إنسان على وجه الأرض هذا المبدأ، فحينها يعم السلام الحقيقي، لا بل يحلّ ملكوت الله.

كن أنت مع الله، ولتكن عائلتك مع الله، وليكن مجتمعك مع الله. وإن بقيت أنت وحدك مع الله، فاختره لأنه هو الأوّل والآخِر، هو البداية والنهاية، هو الألف والياء، ولا تخف من الذين يقتلون الجسد، بل ابدأ بالحرب على ذاتك أولاً ثم على كل ما يخالف الله مبدأ الحياة، ولا تخف من المعاكسات، ففي النهاية لا يحق إلاّ الحق، والكل يذهب ويبقى الحب، ومن يعيش في الحب يعيش في الله.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.