رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل تسالونيقي (5: 12-28) يا إخوَتِي، نَسْأَلُكُم أَنْ تُكْرِمُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُم، ويَرْئِسُونَكُم في الرَّبّ، وَيَنْصَحُونَكُم، وأَنْ تَحْتَرِمُوهُم بِمَحَبَّةٍ أَعْظَمَ ٱحْتِرَام، كَرَامَةً لِعَمَلِهِم. كُونُوا مُسَالِمِينَ بَعْضُكُم بَعْضًا. ونُنَاشِدُكُم، أَيُّهَا الإِخْوَة: إِنْصَحُوا المُقْلِقِين، شَجِّعُوا الخَائِفِين، أَسْنِدُوا الضُّعَفَاء، وتَأَنَّوا معَ الجَمِيع. إِحْذَرُوا أَنْ تُبَادِلُوا شَرًّا بِشَرّ، بَلِ ٱتَّبِعُوا الْخَيرَ دائِمًا بَعْضُكُم لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيع. إِفْرَحُوا على الدَّوَام. صَلُّوا بِغَيْرِ ٱنْقِطَاع. أُشْكُرُوا في كُلِّ شَيء. فَهذِهِ مَشِيئَةُ اللهِ إِلَيْكُم في المَسِيحِ يَسُوع. لا تُطْفِئُوا الرُّوح. لا تَحْتَقِرُوا النُّبُوءَات. بَلِ ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيء، وتَمَسَّكُوا بِمَا هُوَ حَسَن. إِمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ. لِيُقَدِّسْكُم إِلهُ السَّلامِ نَفْسُهُ تَقْدِيسًا تَامًّا، وَيَحْفَظْ رُوحَكُم ونَفْسَكُم وجَسَدَكُم حِفْظًا كَامِلاً، بِغَيرِ لَوْم، عِنْدَ مَجيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيح! أَمِينٌ هُوَ الَّذي دَعَاكُم، وهُوَ الَّذي سَيَعْمَل. صَلُّوا أَيْضًا مِنْ أَجْلِنَا، أَيُّهَا الإِخْوَة. سَلِّمُوا عَلى جَمِيعِ الإِخْوَةِ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَة. أَسْتَحْلِفُكُم بِالرَّبّ: فَلْتُقْرَأْ هذِهِ الرِّسَالَةُ عَلى جَمِيعِ الإِخْوَة. نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ مَعَكُم! إنجيل القدّيس لوقا (7: 1-10) بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ يَسوعُ كَلامَهُ كُلَّهُ عَلى مَسَامِعِ الشَّعْب، دَخَلَ كَفَرنَاحُوم. وكَانَ لِقائِدِ مِئَةٍ خَادِمٌ بِهِ سُوء، وقَدْ أَشْرَفَ عَلى المَوت، وكَانَ عَزيزًا عَلَيه. وَسَمِعَ بِيَسوعَ فَأَرْسَلَ إِلَيهِ بَعْضَ شَيُوخِ اليَهُود، يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ ويُنقِذَ خَادِمَهُ. فَأَقْبَلُوا إِلى يَسُوع، وأَلَحُّوا يَتَوسَّلُونَ إِلَيهِ قَائِلين: «إنَّهُ مُسْتَحِقٌّ أَنْ تَصْنَعَ لَهُ هذَا، لأَنَّهُ يُحِبُّ أُمَّتنَا، وَقَد بَنَى لَنَا المَجْمَع». فَمَضَى يَسُوعُ مَعَهُم. ومَا إنْ صَارَ غَيرَ بَعِيدٍ عَنِ البَيْت، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيهِ قَائِدُ المِئَةِ بَعْضَ أَصْدقَائِهِ، يَقولُ لَهُ: «يا رَبّ، لا تُزعِجْ نَفْسَكَ، لأَنِّي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفي. لِذلِكَ لَمْ أَحسَبْ نَفْسي مُسْتَحِقًّا أَنْ آتِيَ إِلَيْك، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيُشْفَى فَتَاي. فَإنِّي أَنا أَيْضًا رَجُلٌ خَاضِعٌ لِسُلْطان، وَلِي جُنُودٌ تَحْتَ إِمْرَتي، فَأَقولُ لِهذَا: ٱذْهَب! فَيَذْهَبْ، وَلآخَرَ: ٱئْتِ! فَيَأْتي، وَلِخَادِمِي: ٱفْعَلْ هذَا! فَيَفْعَل». وَلَمَّا سَمِعَ يَسوعُ أُعْجِبَ بِه، وٱلتَفَتَ إِلى الجَمْعِ الَّذي يَتْبَعُهُ فَقاَل: «أَقولُ لَكُم: لَمْ أَجِدْ مِثْلَ هذَا الإِيْمَانِ حَتَّى في إِسْرائِيل». وَعَاد المُرْسَلُونَ إِلى البَيْت، فَوَجَدُوا الخَادِمَ مُعَافَى. الموعظة في هذا الأحد وهو الرابع من زمن الصوم المقدس، نرى معجزة شفاء عبد قائد المئة الروماني، الحدث الذي يأخذنا مباشرة إلى فكرة الإيمان، التي هي في صُلب موضوع الحياة الإنسانية. بالبداية علينا أن نتساءل عن الإيمان في حقيقته، ما هو الإيمان؟ الإيمان في حقيقته هو أن تعتقد بشيء لا تراه وتصدقه وتترجاه، وهو موجود بالفطرة البشرية، فالمزارع لا يرى الثمار مباشرة، لكنه يَهُمُّ بالزراعة، ولا يتوقع على وجه اليقين، أن السماء ستمطر أو لا، أو كيف سيكون الناتج، فهو يسعى مدفوعاً بالإيمان. وأيضاً ينطبق القول على الطفل، فالوالدين أو المربين، لا يعلمون ما عسى أن يكون عليه هذا الطفل، لكنهم يسعون كل المسعى لكي يكبر وينمو، وبهذا هم يترجون أن يُصبح في يوم ما ذا شأن كبير. على ما يبدو أن كل إنسان، يولد في وضع إيمان، حتى قبل أن يعرف الله ويُعلن إيمانه به أو يرفض أن يؤمن. وهو بعيدٌ عن الإيمان الديني. فأي مسعى بشري هو مسعى إيماني، يكفي أن نُفكر كيف نأخذ مواعيدنا مع الأشخاص أو المناسبات التي تُحدد الآن و تتحقق في المستقبل. في هذا المسعى الإيماني هناك هدف، والهدف هو أن أكون سعيداً، أن أحصل على القدر الكافي من النتائج التي تُشعرني بالسعادة، فالإنسان يعمل لأن يكون سعيداً، وهو يُجاهد ويتحدى و يصبر ويصمد ويواجه كل العقبات لينتصر عليها، ليكون سعيداً. المفارقة هنا هي في أننا لو اعتمدنا على هذا الكلام فقط، فإننا بذلك نفتح باب كبيراً للإجرام والإرهاب والشر عموماً، فاليائس يجد سعياً لسعادته بإزالة الألم فينتحر، والسارق يأمل أن يحصل من سرقته على السعادة، ويعيش الإيمان بتخطيطه الذي لا يعرف فيه عن واقع سرقته شيء. والإرهابي يقتل ليَخلُص وينال السعادة بجوار بغايا جنته المعهودة.. الخ، لذلك لا يمكن أن يبقى الإيمان على هذا الوضع الأولي الطبيعي لدى الإنسان وأيضاً السعادة. إيمان قائد المئة الوثني الأصل، هو إيمان طبيعي، تعدّى حدود فطرته بالمحبة لعبده، فأصبح إيمانه عظيماً، بل لم يجد يسوع مثله في إسرائيل، الأمر الذي يدفعني لأقول: أن الإيمان لا يعني الاعتراف بوجود الله فالشياطين تعترف أيضاً. لكنّ الإيمان يعني أن تُحِب أحداً أحبّك وهذا الأحد هو الله الإيمان إذاً هو أن أُحِب أحداً، أي أن أستجيب لنداء الحب، فالله أحب الإنسان، حتى المنتهى، والرب يسوع المسيح أظهر لنا ذلك، عن طريق تقدمة ذاته، واتحاده بطبيعتنا البشرية، لكي يُصبح ما هو بشري فائق الطبيعة، ومن هنا نجد الكنيسة أنها قد حددت الإيمان في تعلميها الكنسي، على أنه فضيلة إلهية، فائقة للطبيعة البشرية. لم يستطع شيوخ اليهود (المؤمنين بالله) أن يشفوا عبد قائد المئة، بل طلبوا من يسوع، ويسوع ليس لإيمانهم هم، بل لإيمان هذا القائد (الوثني)، شفى عبده، وفي هذا عبرة كبيرة، إذ أن شيوخ اليهود في إيمانهم لم يُحبوا أحداً، بل كانت مبادرتهم تجاه قائد المئة، هي رد جميل على حساب يسوع، وأما قائد المئة بإيمانه أحبّ أحداً واستطاع أن يقبل الشفاء لعبده المحبوب. أختم لأقول بأن عيش قيمة المحبة في حياتنا هو ما يجعل إيماننا صحيحاً، وبه نعبّر عن مدى حقيقة مَن نؤمن به، فالله محبة ومن آمن به، صار على مثاله. هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا. الأحد الرابع من الصوم
شفاء عبد قائد المئة
نُحِبّ فنُؤمِن