الله ليس مُحقق أمنيات 

الأحد الثالث عشر بعد العنصرة 


رسالة القدّيس بولس الثانية إلى أهل تسالونيقي (2: 1-17)  

يا إخوَتِي، أَمَّا في ما يَخْتَصُّ بِمَجيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيح، وبِٱجْتِمَاعِنَا لَدَيه، فَنَسْأَلُكُم، أَيُّهَا الإِخْوَة،

أَلاَّ تَتَسَرَّعُوا فَتَتَزَعْزَعُوا عَن صَوابِكُم، ولا تَرتَعِبُوا لا مِن نُبُوءَة، ولا مِنْ كَلِمَة، ولا مِن رِسَالةٍ كأَنَّهَا مِنَّا، لَكَأَنَّ يَومَ الرَّبِّ قَد حَضَر.

فلا يَخدَعَنَّكُم أَحدٌ بِوَجْهٍ منَ الوُجُوه، لأَنَّ ذلِكَ اليَوْمَ لا يَأْتي إِذَا لَمْ يَأْتِ الجُحُودُ أَوَّلاً، وَيَظْهَرْ إِنْسَانُ ٱلإِثْم، إِبنُ الهَلاك،

أَلمُتَمَرِّدُ المُتَشَامِخُ على كُلِّ مَنْ يُدْعى إِلهًا أَو مَعْبُودًا، حتَّى إِنَّهُ يَجلِسُ في قُدْسِ هَيكلِ الله، مُظْهِرًا نَفْسَهُ إِنَّهُ الله.

أَلا تَتَذَكَّرُونَ أَنِّي، لَمَّا كُنتُ عِنْدَكُم، كُنتُ أَقُولُ لَكُم هذَا؟

والآنَ فأَنْتُم تَعْلَمُونَ مَا يَعُوقُهُ، إِلى أَنْ يَظْهَرَ في وَقتِهِ.

إِنَّ سِرَّ الإِثْمِ قَد بَدَأَ يَعْمَلُ في الخَفَاء، إِلى أَن يُرْفَعَ مِنَ الوَسَط ذلِكَ الَّذي يَعُوقُ الآنَ ظُهُورَهُ.

وعِندَئِذٍ يَظْهَرُ الأَثِيم، فَيُزِيلُهُ الرَّبُّ يَسُوعُ بِنَفخَةِ فَمِه، ويُبْطِلُهُ بِشُرُوقِ مَجيئِهِ.

ويَكُونُ مَجِيءُ الأَثِيم، بعَمَلِ الشَّيْطَان، مَصْحُوبًا بِكُلِّ قُوَّة، وبآيَاتٍ ومُعجِزاتٍ كاذِبَة،

وبِكُلِّ خِدَعِ البَاطِلِ للَّذِينَ يَهْلِكُون، لأَنَّهُم لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الحَقِّ فَيَخْلُصُوا.

ولِذلِكَ يُرْسِلُ اللهُ إِلَيْهِم عَمَلَ ضَلالٍ لِيُصَدِّقُوا الكَذِب،

حتَّى يُدَانَ جَمِيعُ الَّذينَ مَا آمَنُوا بِالحَقّ، بَلِ ٱرْتَضَوا بِالبَاطِل.

أَمَّا نَحْنُ فَيَجِبُ أَنْ نَشْكُرَ اللهَ دائِمًا مِن أَجْلِكُم، أَيُّهَا الإِخوة، أَحِبَّاءُ الرَّبّ، لأَنَّ اللهَ ٱخْتَارَكُم بَاكُورةً للخَلاص، بتَقدِيسٍ مِنَ الرُّوحِ وإِيْمَانٍ بِالحَقّ.

ودَعَاكُم بإِنْجِيلِنَا لِتُحْرِزُوا مَجدَ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيح.

إِذًا، أَيُّها الإِخْوَة، أُثْبُتُوا وتَمَسَّكُوا بِالتَّقالِيدِ الَّتي تَعَلَّمْتُمُوهَا مِنَّا بالكَلِمَةِ أَو بِالمُرَاسَلَة.

ورَبُّنَا يَسُوعُ المَسِيحُ نَفسُهُ، واللهُ أَبُونَا الَّذي أَحَبَّنَا، ووَهَبَنَا بِنِعْمَتِهِ عَزاءً أَبَدِيًّا، ورجَاءً صَالِحًا،

هُوَ يُعَزِّي قُلُوبَكُم ويُثَبِّتُهَا في كُلِّ عَمَلٍ وكَلِمَةٍ صَالِحَة.

إنجيل القدّيس لوقا(11: 9-23)

قالَ الرَبُّ يَسُوع: «إِسْأَلُوا تُعْطَوا، أُطْلُبوا تَجِدُوا، إِقْرَعُوا يُفتَحْ لَكُم.

فَمَنْ يَسْأَلْ يَنَلْ، وَمَنْ يَطلُبْ يَجِدْ، وَمَنْ يَقرَعْ يُفتَحْ لَهُ.

وَأَيُّ أَبٍ مِنْكُم يَسْأَلُهُ ٱبْنُهُ سَمَكةً فَيُعْطِيَهُ بَدَلَ السَّمَكَةِ حَيَّة؟

أَوْ يَسْأَلُهُ بَيْضَةً فَيُعْطِيَهُ عَقْرَبًا؟

فَإِذَا كُنْتُم أَنْتُمُ الأَشْرارَ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلادَكُم عَطَايَا صَالِحَة، فَكَم بِالأَحْرَى الآبُ الَّذي يَمْنَحُ الرُّوحَ القُدُسَ مِنَ السَّمَاءِ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟».

وَكانَ يَسُوعُ يُخْرِجُ شَيْطَانًا أَخْرَس. فَلَمَّا أَخْرَجَ الشَّيْطَانَ تَكَلَّمَ الأَخْرَس، فَتَعَجَّبَ الجُمُوع.

وَقالَ بَعْضُهُم: «إِنَّهُ بِبَعْلَ زَبُول، رَئِيسِ الشَّيَاطِين، يُخْرِجُ الشَّيَاطِين».

وَكانَ آخَرُونَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ لِيُجَرِّبُوه.

أَمَّا يَسُوعُ فَعَلِمَ أَفْكَارَهُم وَقَالَ لَهُم: «كُلُّ مَمْلَكَةٍ تَنْقَسِمُ عَلى نَفْسِها تَخْرَبْ، فَيَسْقُطُ بَيْتٌ عَلَى بَيْت.

وَإِنِ ٱنْقَسَمَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟ لأَنَّكُم تَقُولُون: إِنِّي بَبَعْلَ زَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطِين.

وَإِنْ كُنْتُ أَنا بِبَعْلَ زَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطِين، فَأَبْنَاؤُكُم بِمَنْ يُخرِجُونَهُم؟ لِذلِكَ فَهُم أَنْفُسُهُم سَيَحْكُمُونَ عَلَيكُم.

أَمَّا إِنْ كُنْتُ أَنَا بِإِصْبَعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِين، فَقَدْ وَافَاكُم مَلَكُوتُ الله.

عِنْدَمَا يَحْرُسُ القَوِيُّ دَارَهُ وَهُوَ بِكَامِلِ سِلاحِهِ، تَكُونُ مُقْتَنَيَاتُهُ في أَمَان.

أَمَّا إِذَا فَاجَأَهُ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَغَلَبَهُ، فَإِنَّهُ يُجَرِّدُهُ مِنْ كَامِلِ سِلاحِهِ، الَّذي كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَيْه، وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ.

مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لا يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُبَدِّد.

الموعظة

أمام التهديدات التي تواجهنا يومياً في هذا العالم نحن بحاجة إلى ما وإلى مَن يُؤمّن لنا الأمان والاستقرار، وعلى ما يبدو، هذه التهديدات هي الدافع الذي يجعلنا نصلي. فبمقدار ما نفقد نتمنى، وأصبحنا نعيش في عالم الأمنيات، طالما أنّ كثيراً من الأمور التي لا نريدها نعيشها والأمور التي نريدها لا نراها على أرض الواقع. فالأمان والاستقرار والعدل والحق المسلوب منا والعيش الكريم وإلى ما هنالك، أصبحوا أمنيات، لأننا نفتقدهم في حياتنا. 

في العديد من ديانات العالم، تلعب الصلاة دوراً مهماً. حتى الأشخاص غير المتدينين، يُصلّون في بعض الأوقات. حتى إن بعض الملحدين اعترفوا بأنهم يصلّون "أحياناً".

في النظرة المسيحية، الصلاة هي نوع من الرد على تلك المعرفة التي بها نعرف الله، حتى ولو كانت تلك المعرفة مشوشة، فإنها تبدو كجواب لسؤال، سأله الله لنا. لهذا السبب الصلاة " تغيرت بشكل عميق بسبب مقدار ودقة تلك المعرفة ". 

في كثير من الأحيان، تبدو الصلاة نوعاً من عرض للأمنيات التي نريدها أن تتحقق، وفي هذا خطورة كبيرة ومجازفة. وطبعاً نفعل هذا لأن معرفتنا لله، هي معرفة شخصٍ نعتبره قادر على تحقيق الأمنيات، ولديه ما ينقصنا، وبالفعل، الله لديه ما ينقصنا، ولكن تبقى المشكلة في تحديد ما ينقصنا بالفعل، وفي تحديد الأمنيات، وفي مدى معرفتنا لله وما يصنع، فنحن نلجأ لله لأننا نُقر بعجزنا ونؤمن أنه يستطيع سدّ ذلك العجز، على اعتبار أنه الله الذي بيده كل شيء.

هناك مغالطة نقع فيها جميعاً، وهي أننا نعتبر ما نريده دوماً على حق، حتى إن بعض الناس تريد أن تتشفى من مَن يؤذونهم ويسيئون إليهم، فيطلبون من الله أن يفعل بهؤلاء الشر الذي يستحقونه، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على عدم معرفة الله بشكل صحيح وحقيقي. ومن جهة أخرى، عدم معرفة الله تجعلنا نعيش في عالم غيبي، أي إسناد ما يحدث إلى أيدي خفية تعمل في الخلفية، وتصبح كل طلباتنا إلى الله لإزالة المعاكسات التي تعترض أمنياتنا، فلا ننظر إلى الله وما يريده، بقدر ما ننظر إلى ما نريده نحن، وكأننا نقول ليأتِ ملكوتنا بدل ليأتِ ملكوتك.

عندما نقرأ الإنجيل، ننتبه أن يسوع أظهر الله على أنه "أب" وفي هذا مغزى، فكان يجب أن يُصحح الخلل في تفكير الناس وكيف ينظرون إلى الله. ولكي تكون صِلتنا صحيحة بالله، يجب أن تكون معرفتنا لله صحيحة. 

عندما نعي أننا أبناء لذلك الأب، نصبح شركاء في العمل، وتصبح طلباتنا موافقة لما يريده أبونا السماوي، وقراراتنا ومواقفنا أيضاً تصبح مساوية لموقف الله في مختلف النواحي الإنسانية.

في إنجيل اليوم، نرى ما تكلمنا عنه، فالله هو أب، يعطي الروح القدس للذين يسألونه، والروح القدس هو علامة حبِّه، ويقول يسوع: "إِسْأَلُوا تُعْطَوا، أُطْلُبوا تَجِدُوا، إِقْرَعُوا يُفتَحْ لَكُم. فَمَنْ يَسْأَلْ يَنَلْ، وَمَنْ يَطلُبْ يَجِدْ، وَمَنْ يَقرَعْ يُفتَحْ لَهُ"، إنّ حبّ الأب والأم يسبق حاجات ورغبات أولادهم، إلا أن الأولاد لطالما، وهم صغار في المعرفة، ينظرون إلى الأهل كمحققين للرغبات والأمنيات، وكلما كبر الأولاد اكتشفوا أن ليس كل شيء ينفع، ولكن الأمر الأكيد الذي يكتشفونه هم محبة أهلهم لهم. وعلى غرار هذا، يظهر الله للصغار أنه المارد الذي يُحقق كل شيء لهم، وكلما كبر الصغار اكتشفوا أنفسهم أكثر وأصبحت أمنياتهم أضيق، على اعتبار أن وعيهم زاد ونما.

في صلاتك لا تُذكّر الله بعمله.. تَذكّر أنت عملك، فالله يعلم ما نحتاج إليه، إلّا أنه يجب علينا أن نطلب أولاً ملكوت الله وكل شيء يُزاد لنا.

في صلاتك، جيد أن تقول لله ما في داخلك، لكن الأوّلى أن تُصغي لما يقول الله لك، فالمطلوب أن تتغيّر أنت لا الله.

ويظهر أيضاً في إنجيل اليوم عدم الإلمام بمعرفة الله من قِبَل البعض، فمنهم من قال عن يسوع "إِنَّهُ بِبَعْلَ زَبُول، رَئِيسِ الشَّيَاطِين، يُخْرِجُ الشَّيَاطِين"، رغم أنهم رأوا شفاء الأخرس، ومنهم مَن: "يَطْلُبُونَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ لِيُجَرِّبُوه"، ألا نفعل نحن هذا اليوم؟. 

أنت أخرس، أو أطرش، أو بك مرض عضال تريد التخلص منه وتلجأ لله؟ لا بأس، لكن إحذر، عندما تشفى تذكر جيداً أن تعمل مع الله لا ضده "مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لا يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُبَدِّد"، وتذكر جيداً أن تعمل على أن تكون الإنسان الحقيقي الذي من أجله مات المسيح. فلا تطلب آيةً من السماء فقط، بل كن أنت آية السماء على الأرض. الله ليس مُحقق أمنيات، إلّا إذا كانت أمنيتك أن تُصبح إنساناً.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.