رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل قورنتس (4: 17-21، 5: 1-5) كَذَلِكَ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُم طِيمُوتَاوُس، وهوَ لي وَلَدٌ حَبِيبٌ وأَمِينٌ في الرَّب، لِيُذَكِّرَكُم بِطُرُقِي في المَسِيحِ يَسُوع، كَمَا أُعَلِّمُ في كُلِّ مَكَان، في كُلِّ كَنيسَة. لَقَدْ ظَنَّ بَعْضُكُم أَنِّي لَنْ آتِيَ إِلَيْكُم، فَٱنْتَفَخُوا مِنَ الكِبْرِيَاء. لكِنِّي سَآتِي إِلَيْكُم عَاجِلاً، إِنْ شَاءَ الرَّبّ، فأَعْرِفُ لا كَلامَ أُولئِكَ المُنْتَفِخِينَ بَلْ قُوَّتَهُم؛ لأَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ لَيْسَ بالكَلاَمِ بَل بِالقُوَّة. مَاذَا تُرِيدُون؟ أَنْ آتِيَكُم بالعَصَا، أَمْ بالمَحَبَّةِ ورُوحِ الوَدَاعَة؟ يُسْمَعُ في كُلِّ مَكانٍ أَنَّ بَيْنَكُم فُجُورًا، وهُوَ فُجُورٌ لا نَظِيرَ لَهُ حَتَّى بَيْنَ الوَثَنِيِّين، إِلى حَدِّ أَنَّ وَاحِدًا مِنْكُم يَأْخُذُ ٱمْرَأَةَ أَبِيه. ومَعَ ذلِكَ فَأَنْتُم مُنْتَفِخُونَ مِنَ الكِبْرِيَاء! أَمَا كَانَ أَحْرَى بِكُم أَنْ تَنُوحُوا حَتَّى يُسْتَأْصَلَ مِنْ بَيْنِكُم مَنْ قَامَ بِهذَا العَمَل؟ فَأَنَا الغَائِبُ بِالجَسَدِ والحَاضِرُ بالرُّوح، قَدْ حَكَمْتُ كَأَنِّي حَاضِر، عَلى مَنِ ٱرْتَكَبَ هذَا الفُجُور: فَبِٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوع، حَالَمَا تَجْتَمِعُون، وأَنَا بِرُوحي مَعَكُم، وَبِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوع، سَلِّمُوا مِثْلَ هذَا الرَّجُلِ إِلى الشَّيْطَان، لِيَهْلِكَ جَسَدُ الخَطِيئَة، فَتَخْلُصَ الرُّوحُ في يَومِ الرَّبّ. إنجيل القدّيس مرقس (9: 32-41) أَمَّا هُم فَمَا كَانُوا يَفْهَمُونَ هذَا الكَلام، وكَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَسْأَلُوه. ووَصَلَ يَسُوعُ وتَلامِيذُهُ إِلى كَفَرْنَاحُوم، ولَمَّا دَخَلَ البَيْتَ سَأَلَهُم: «بِمَ كُنْتُم تَتَجَادَلُونَ في الطَّريق؟». فَظَلُّوا صَامِتين، لأَنَّهُم تَجَادَلُوا في الطَّريقِ في مَنْ هُوَ الأَعْظَم. فجَلَسَ يَسُوع، ودَعَا ٱلٱثْنَي عَشَر، وقَالَ لَهُم: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ الأَوَّل، فَلْيَكُنْ آخِرَ الجَمِيعِ وخَادِمَ الجَمِيع». ثُمَّ أَخَذَ طِفْلاً وأَقَامَهُ في وَسَطِهِم، وضَمَّهُ بِذِرَاعَيْه، وقَالَ لَهُم: مَنْ قَبِلَ بٱسْمِي وَاحِدًا مِنْ أَمْثَالِ هؤُلاءِ الأَطْفَال، فَهُوَ يَقْبَلُنِي. ومَنْ يَقْبَلُنِي فلا يَقْبَلُنِي أَنَا بَلِ الَّذي أَرْسَلَنِي. قالَ لَهُ يُوحَنَّا: «يَا مُعَلِّم، رَأَيْنَا رَجُلاً يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ بِٱسْمِكَ، وهُوَ لا يَتْبَعُنا. فمَنَعْنَاه، لأَنَّهُ لا يَتْبَعُنا». فقالَ يَسُوع: «لا تَمْنَعُوه، فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَصْنَعُ عَمَلاً قَدِيرًا بِٱسْمِي، ويَقْدِرُ بَعْدَها أَنْ يَقُولَ فِيَّ سُوءًا؛ لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا. ومَنْ سَقَاكُم كَأْسَ مَاءٍ بِٱسْمِي عَلَى أَنَّكُم لِلْمَسِيح، فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ لَنْ يَفْقِدَ أَجْرَهُ. الموعظة يبدأ إنجيل اليوم بقول أن التلاميذ لم يفهموا كلام يسوع وخافوا أن يسألوه، لأنه كان يُحدثهم عن موته وقيامته، فالآية السابقة لهذا النص هي هذه: "إن ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الناس فيقتلونه. وبعد أن يقتل يقوم في اليوم الثالث"، ولعل عدم فهمهم لهذا الكلام ينطوي تحت أمور عدة، أهمها هو عدم توقع الأمر، لأنّ تصوراتهم الذاتية بعيدة عن المعنى وعن قصد يسوع، وأقصد بالتصورات الذاتية تلك الحالة التي ينظر فيها المرء إلى وضعه الذاتي أمام حدث مهم. ويسوع هو الحدث الأكثر جلبة في أيام الرسل، فهم ينظرون إلى مستقبل حياتهم الشخصية ولا ينظرون إلى ما تحمل رسالة يسوع إلى العالم، وهذا ما دفعهم لأن يتجادلوا في الطريق عن من هو الأعظم فيهم، وأيضاً هذا ما دفعهم ليرفضوا ويمنعوا ذاك الذي لم يكن يتبعهم، مع أنه كان يُخرج الشياطين باسم يسوع معلمهم. يميل الإنسان إلى النظر إلى ذاته، في أي مجال كان فيه، ليرى ماذا سيُحَصّل في نهاية الأمر، أي ما الفائدة التي سيحصل عليها، وإذا اقترن مجال عمله مع السلطة، أياً كانت، يبدأ يتكلم ويتصرف بناءً على ارتباطه بالسلطة، وكأنه أصبح هو والسلطان واحد، يتكلم باسمه ويضرب بسيفه. هذا ما حصل مع التلاميذ بالضبط، حيث كانوا يتبعون يسوع دون أن يفهموا الهدف من اتباعه، إلا أنهم كانوا ينظرون إلى ذواتهم وماذا سوف يتحقق لهم من خلاله، وعندما طرح يسوع موضوع موته وقيامته، تجادلوا فيما بينهم، من هو الأعظم فيهم، وبمعنى آخر، فهمهم الخاطئ لرسالة يسوع قادهم ليتنازعوا على السلطة، فَمِن بعد يسوع مَن يكون الأوّل فيهم.؟ إن الحياة مع الله تتطلب تخلّياً عن مركزية الذات، حيث أن الحياة الروحية تعني أن يكون الله وحده مالئاً حياة المؤمن، وترتبك الحياة الروحية بمجرد أن يضع الإنسان شيئاً آخر إلى جوار الله، ولعلنا نضع ذواتنا أولاً في علاقتنا مع الله، الأمر الذي يُبعدنا تماماً عن معنى إيماننا به. وما أن تبدأ تظهر وتكبر ذواتنا يبدأ الله بالاختفاء من حياتنا، وهذا بيت القصيد في قصة آدم وحواء. الإنسان إذا بدأ يركّز على ذاته، لا يستطيع أن يُركّز على الله، فيضيع الهدف، لأن هدف الإنسان هو الله، مثلما أن هدف الله هو الإنسان. التلاميذ فقدوا الهدف بالتركيز على أنفسهم، لذلك لم يروا ما كان يعمله ذاك الذي منعوه لأنه لم يكن يتبعهم، مع أنه يعمل عمل يسوع نفسه، وهذا يفتح أمامنا باباً على الصراعات المذهبية والطائفية بين المؤمنين بالله من أصحاب المذاهب المختلفة وأيضاً بين المؤمنين بالله من أصحاب المذهب الواحد. فنذهب لنتصارع على من معه الحق، وننسى الهدف، نتقاتل على الله، إن صح التعبير، وننسى أنه هو الهدف، فلو علمنا مدى جهلنا لرسالة الله لكنا جميعاً تصالحنا وتوحدنا. نحن لا نتحاصص الله، وإنما نتقاسمه، نتشاركه، بمعنى أنّ الله هو الهدف الذي يجب علينا جميعاً أن نقصده في حياتنا، فلا مجال للتنازع على المحبة، فإن كان هدفنا جميعاً هو الله، فإننا نحب بعضنا بعضاً، وبما أننا لا نحب بعضنا، فهذا يعني أننا نُركّز على أنفسنا ونضعها بالمقدمة عوضاً عن الله. إن كان الله هدفنا، لمَ نتنازع وعلى ماذا؟ هل على الطريقة التي بها نعبده أو نرتبط به؟ أضعنا الهدف. حتى في الأمور المقدسة، كثيراً ما تصير هدفاً بدلاً من الله، فكم من مرة نهتم للطقوس أكثر من عيش المحبة مع الناس؟ ندافع عن العقائد ونحن لا نفقه شيئاً منها. نتصارع على انبثاق الروح القدس، وعلى الخبز القرباني إذا كان خميراً أو فطيراً، وتتأزم العلاقات المسيحية المسيحية، فما بالكم مع غير المسيحيين؟ ليس أن تكون مؤمناً هو الهدف، بل الله هو الهدف، فلا مجال للصراع بين المؤمنين إن كان الله هدفهم الأوحد. وأن ندافع عن الإيمان ذلك أمرٌ ممدوح، لكن علينا ألا ننسى الهدف الذي هو الله، وأيضاً هناك نزاعات الخدام فيما بينهم، حيث تتداخل الأهداف ببعضها، فتتحول الخدمة، بحد ذاتها ،إلى هدف بديل عن الله. من هنا نرى تحوّل ساحة الخدمة الروحية إلى ساحة معركة، يتبادل فيها الخدام الاتهامات والخصومات، وتصبح الخدمة مجالاً للعداوة ويفقد الخدام نقاوة القلب وصفاءه، هذا لأن الخدمة أصبحت هدفاً منفصلاً عن الله، ولهذا السبب نجد الكثير من الأجواء الدينية غير صافية، فيها الخصام، والغضب، والشتائم، ولم تعد الخدمة كما أرادها الله أن تكون صورةً حيّة عنه. كل ذلك تَلَخّصَ اليوم بالتركيز على الذات كهدف، وهذا ما دفع التلاميذ ويدفعنا نحن اليوم لنتخاصم حول المركز الأوّل والرئاسة والسلطة، وهذا ما يجعل الخدمة مجالاً للشهرة والشعبية وحب الظهور، وكل ذلك يُظهر أن هدف الخادم قد تحوّل، فبعد أن بدأ رسالته بحب وخدمة وتركيز على الله، على أنه الهدف، ابتدأ يُركز على ذاته، فأصبحت ذاته هي الهدف. لننتبه إذاً أن يملأ الله حياتنا، أن يكون هو الهدف في كل شيء، فالله ليس وسيلة نصل بها إلى رغباتنا، بل هو الهدف ويجب أن يكون قمة رغبتنا. والإنسان المتدين يجعل تدينه هدفاً، أما المؤمن، فيستقبل الله في قلبه، وتكون غاية قلبه أن يثبت فيه. الله ليس هو الوسيلة لكي ندخل الحياة الأبدية، بل هو الحياة الأبدية، فهل هدفك هو الله، أم لك هدف آخر؟ أم أصبح الله لديك وسيلة تحقق من خلالها أهدافاً أخرى؟ وحدها المحبة الحقيقية التي تستطيع أن تكشف لنا تماماً ما هو هدفنا. هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا. أنا أَمِ الله.. أضعنا الهدف
الأحد الخامس بعد العنصرة