الأحد السادس بعد الصليب 


رسالة القدّيس بولس الثانية إلى طيموتاوس (2: 16 -26) 

أَمَّا الكَلامُ الفارِغُ التَّافِهُ فَٱجْتَنِبْهُ، لأَنَّهُ يَزِيدُ أَصْحَابَهُ كُفْرًا،

وكَلامُهُم يَتَفَشَّى كالآكِلَة، ومِنهُم هُومَنَايُوس وفِيلاتُوس،

اللَّذَانِ زَاغَا عَنِ الحَقّ، زِاعِمَينِ أَنَّ القِيَامَةَ قَدْ تَمَّتْ، وهُمَا يَقْلِبَانِ إِيْمَانَ بَعْضِ النَّاس.

إِلاَّ أَنَّ الأَسَاسَ المَتِينَ الَّذي وَضَعَهُ اللهُ يَبْقَى ثَابِتًا، وعَلَيهِ هذا الخَتْم: «إِنَّ الرَّبَّ يَعْرِفُ الَّذِينَ لَهُ»، «ولْيَتَجَنَّبِ الشَّرَّ كُلُّ مَنْ يَذْكُرُ ٱسْمَ الرَّبّ».

في بَيتٍ كَبير، لا تَكُونُ الآنِيَةُ كُلُّهَا مِنْ ذَهَبٍ وفِضَّة، بَلْ أَيْضًا مِنْ خَشَبٍ وخَزَف، بَعْضُهَا لِلكَرَامَةِ وبَعضُهَا لِلهَوَان.

فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ تِلْكَ الشُّرُور، يَكُونُ إِنَاءً لِلكَرَامَةِ مُقَدَّسًا نَافِعًا لِلسَّيِّد، مُعَدًّا لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِح.

أَمَّا شَهَوَاتُ الشَّبَابِ فَٱهْرُبْ مِنهَا، وَٱتْبَعِ البِرَّ والإِيْمَانَ والمَحَبَّةَ والسَّلام، مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ بِقَلْبٍ طَاهِر.

وَٱرْفُضِ ٱلمُجادَلاتِ الغَبِيَّةَ والسَّخِيفَة، فأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا تُوَلِّدُ المُشَاجَرَات.

ولا يَجُوزُ لِخَادِمِ الرَّبِّ أَنْ يُشَاجِر، بَلْ أَنْ يَكُونَ لَطِيفًا معَ الْجَمِيع، قَادِرًا على التَّعْلِيم، صَابِرًا على المَشَقَّات،

وَدِيعًا في تَأْدِيبِ المُخَالِفِين، لَعَلَّ اللهَ يَمْنَحُهُم التَّوبَةَ لِمَعرِفَةِ الحَقّ،

فيَسْتَفِيقُوا مِن فَخِّ إِبْلِيس، وقَدِ ٱصْطَادَهُم رَهْنًا لِمَشِيئَتِهِ.


إنجيل القدّيس لوقا (18: 18 - 27)

سَأَلَ يَسُوعَ أَحَدُ الرُّؤَسَاءِ قَائِلاً: «أَيُّها المُعَلِّمُ الصَّالِح، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الحَيَاةَ الأَبَدِيَّة؟».

فَقالَ لَهُ يَسُوع: «لِمَاذا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لا أَحَدَ صَالِحٌ إِلاَّ وَاحِد، هُوَ الله!

أَنْتَ تَعْرِفُ الوَصَايا: لا تَزْنِ، لا تَقْتُلْ، لا تَسْرِقْ، لا تَشْهَدْ بِالزُّور، أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ!».

قالَ الرَّجُل: «هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مَنْذُ صِبَاي».

ولَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ذلِكَ قَالَ لَهُ: «وَاحِدَةٌ تُعْوِزُكَ: بِعْ كُلَّ مَا لَكَ، وَوَزِّعْ عَلَى الفُقَرَاء، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ في السَّمَاوَات، وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي!».

فَلَمَّا سَمِعَ الرَّجُلُ ذلِكَ، حَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا، لأَنَّهُ كانَ غَنِيًّا جِدًّا.

ورَأَى يَسُوعُ أَنَّهُ حَزِنَ فَقَال: «ما أَصْعَبَ عَلَى الأَثْرِياءِ أَنْ يَدْخُلُوا مَلَكُوتَ ٱلله.

فَإِنَّهُ لأَسْهَلُ أَنْ يَدْخُلَ جَمَلٌ في خِرْمِ الإِبْرَة، مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ مَلَكُوتَ ٱلله».

فقَالَ السَّامِعُون: «فَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَخْلُص؟».

قَالَ يَسُوع: «إِنَّ غَيْرَ المُمْكِنِ عِنْدَ النَّاسِ هُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الله».

الموعظة

أيها المعلم الصالح ..  بهذه الكلمات استهل هذا الشاب الرئيس كلامه وهذا ما كان جواب يسوع له: لماذا تدعوني صالحاً...

هذا ما نفعله نحن حتى أيامنا هذه، أننا نتملق في أحاديثنا مع الآخرين ظانين أننا نضحي أكثر طيبة وأكثر قبولاً في مسامع من نكلمهم.

لقد تكلم هذا الشاب الغني كلام حق يريد به باطل، إنه يريد التودد للرب يسوع ليزكيه، لكن أمام الرب يسوع، الكلي الحكمة، لن يستطيع أن يخفي قصده، وهذا ما صار، ففي نهاية النص نرى هذا الشاب قد مضى حزيناً لأنه لم ينل ما أراد.

يعلمنا هذا النص أن ننتبه مع من نتعامل ومع من نتكلم، فهل يمكننا أن نتملق الله؟ وكيف نستطيع أن نسقط على الله مفاهيمنا البشرية؟

إن سؤال الشاب " ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية " يعتبره اللاهوتيون السؤال الأخلاقي الأول، إذ أن على الإنسان أن يسأل ذاته ماذا يحب أن أعمل. لكن في مفهوم آخر، وتحديداً في سياق هذا النص، نرى أن الشاب يُسقط مفهومه على الله، فهو غني بالمال، ويريد أن "يرث" الحياة الأبدية، وفعل ورث يدل على ما أحصل عليه من شخص آخر، فتزيد ثروتي، وهذا ما كان يصبو إليه هذا الشاب، طالما أنه غني، فهو يعرف تماماً معنى الإرث وكيف يحقق له غنى أكثر.

حسب المفهوم الذي طرحه الرب يسوع للشاب الغني، فإننا نرى أن الحصول على الحياة الأبدية يتحقق من خلال العطاء، وبذل الذات، لا من خلال الأخذ، والحفاظ على الذات. حتى إن الرب يسوع لم يقف عند الوصايا، رغم أهميتها، بل ذهب به إلى المعنى الأفضل والأعمق، فلا يكفي أن تحفظ الوصايا وحتى أن تمتنع عن الخطيئة، إنما يجب أن تعمل ما هو صالح.

وما هو صالح في عيني الرب هو الحب، ذاك الحب الذي يعطي به الإنسان ذاته إلى آخر، فلا يكفي ألا تقتل بل عليك أن تعطي الحياة، ولا يكفي ألا تسرق يجب أن تعطي، ولا يكفي ألا تزني بل عليك أن تعيش الأمانة .. الخ.

إن الصعوبة تكمن في الترك والتخلي، لذلك إن لم يتحرر هذا الشاب من تملك المال عليه، فلن يستطيع الدخول في الملكوت، ورسالة يسوع كلها موجهة إلى أن يتحرر الإنسان من كل ما يعيق تقدمه في الحب الحقيقي.

فهل نحن، نمضي عن طريق الرب حزانى لأننا لا نستطيع أن نتخلى؟

هل نحن صادقون في علاقتنا مع الله ومع بعضنا البعض؟

إن الجواب هو لدى كل واحد منا، وهو مقرون بنا، لا بأحد آخر، فلا يستطيع الله أن يخلصني إن لم أتحرر، وحريتي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالله.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.