هذا هو الأحد الأول بعد أحد القيامة ونسميه بحسب طقس الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأحد الجديد أو أحد توما، ونقرأ في قداس هذا الأحد النصوص التالية: رسالة القدّيس بولس الثانية إلى أهل قورنتس (5: 11-19) الموعظة تشهد الجراحات في جسم يسوع على أنه هو هو الذي صُلب ومات ثم قام، وقد قلنا أن القيامة لا تزيل الألم ولا تعيد الإنسان إلى حالته التي كانت قبل موته، فهو يتغيّر، يصير إلى حالة مجد، كالبذرة التي يتغير شكلها إلى شجرة، فإننا لا نطلب منها برهاناً على أنها هي البذرة ذاتها، فمن ثمارها يُدَلُ عليها وعلى كل عملها وحياتها، ومن علامات إثمار عمل الرب يسوع المسيح جراحاته. يُظهر النص الإنجيلي توبيخاً من يسوع للتلميذ توما على قلة الإيمان والشك، ويضع هذا التلميذ في مصاف الأشخاص الذين لا يؤمنون إلا إذا رأوا. ولكن لنطرح الحدث بشكل آخر.. أنا أرى أن شك توما في محله تماماً، لا بل أكثر من ذلك، إنه الحالة الطبيعية والمنطقية في آن معاً؛ لم يكتف توما بالاعتراف والثقة والإيمان على غرار التلاميذ الآخرين الذين أنا شخصياً أشك في إيمانهم بالقيامة،فهم صدقوا بالسمع وسرّوا بالخبر بعواطفهم دون أن يسعوا للتحقق مما سمعوه، ما عدا التلميذين بطرس ويوحنا اللذان توجها إلى القبر ليروه فارغاً، وهذا بحد ذاته كفعل توما لا زيادة ولا نقصان. يريد توما أن يتحقق من أن الذي مات على الصليب هو نفسه الذي قام، وهذا حق مشروع، فكيف له أن يعرف؟. ويريد أيضاً أن يكون شاهداً ودالاً على العمل الذي قام به يسوع، ولنلاحظ أنه لم يقل أبداً أنه لا يؤمن حتى يراه، فيتعرف عليه من ملامح وجهه أو شاكلة جسمه الذي سبق فعرفه من خلالها، بل لا يؤمن حتى يضع يده في جنبه، وهذا الفارق مهم جداً لكي نفهم أن موضوع إيمان توما يتعلق بثمرة العمل الذي قام به يسوع، ولا يتعلق أبداً باستعراض خارق للطبيعة يندهش به فيؤمن بعدها. تربط الكنيسة بتعليمها الكتابي بين آدم الذي عصى الله فابتعد وكسر العلاقة معه، وبين يسوع (آدم الجديد) الذي أطاع الله وأعاد العلاقة معه، وأصبح آدم يُمثل كل إنسان، ولهذا يمكننا القول بأن آدم مدّ يده إلى ثمرة العصيان، فعصى الله وسقط .. وها هو توما الرسول يمد يده إلى ثمرة الحب - يسوع المسيح القائم من الموت - فيؤمن ويصرخ : ربي وإلهي. وهذه الصرخة المزدوجة تنقلنا لنفهم أن يسوع جعل توما يؤمن بالله، فهي صرخة إيمان ليست بيسوع ولكن بالله، فقد عرف توما الله وآمن به من خلال يسوع، وإلا فكان حريٌ به أن يصرخ ويقول: معلمي، كما كان معتاداً أن يناديه هو وكل رفقائه. نعم، إن مدّ يد توما ووضعها مكان الجراحات هي أشبه بمد اليد لقطف الثمار، هذه الثمار التي هي نتيجة حياة كاملة، وتعب واجتهاد، وأكثر من ذلك هي نتيجة موت لتعطي الآخر حياة. وبالتالي على مر العصور، نشاهد الآباء القديسين وقد نهجوا نهج معلمهم يسوع المسيح، وقد قطفت الكنيسة ثمار أعمالهم، ثمار موتهم، و ستقطف الأجيال القادمة أثمار أعمالنا نحن، وموتنا نحن، أللهمّ إذا نهجنا النهج ذاته. في ختام هذه الكلمات القليلة لا يسعني سوى أن أقول: إن القديس توما كان ذلك الشكاك الصادق، الذي يُريد أن تكون حياته مستقيمة لا التواء فيها، فإن لديه من الشجاعة الكثير لينطق بتلك العبارات التي نطق بها، فهو لا يحاول أن يكون غير ملتزمٍ ويخاف أن يسأل، بل يريد أن يلتزم ولذلك يُحب أن يعرف ويتأكد أين تطأ قدماه. وهنا يجب التنويه بأن الشك هو باب المعرفة للباحثين عن الحقيقة وعن معنى الحياة، لا لأولئك الذين يعيشون على هامش الحياة ولا يعنيهم مطلقاً معناها. نحن لا نعرف الرب يسوع القائم من الموت إلا من خلال جراحاته، والطوبى التي أعطاها للذين آمنوا ولم يروا هي لنا، فطوبى لنا لأننا نؤمن ولم نرى، والطوبى الأعظم لنا هي عندما نموت ونقوم فنعطي حياة حقيقية، على مثال الرب يسوع المسيح الذي مات وقام وأعطى الحياة. هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا. الأحد الجديد والمسمّى أحد توما
توما آدم جديد.. مدّ يده فقطف ثمرة الحب
يا إخوَتِي، بِمَا أَنَّنَا نَعْرِفُ مَخَافَةَ الرَّبّ، نحُاوِلُ أَنْ نُقْنِعَ النَّاس. وَنَحْنُ مَعْرُوفُون لَدَى ٱلله، ولكِنِّي آمَلُ أَنْ نَكُونَ مَعْرُوفِينَ أَيْضًا في ضَمَائِرِكُم.
ولَسْنَا نَعُودُ فَنُوَصِّيكُم بِأَنْفُسِنَا، بَلْ نُعْطِيكُم فُرْصَةً لِلٱفْتَخَارِ بِنَا تُجَاهَ الَّذينَ يَفْتَخِرُونَ بِالمَظْهَرِ لا بِمَا في القَلْب.
فإِنْ كُنَّا مَجَانِينَ فَلِله، وإِنْ كُنَّا عُقَلاءَ فَلأَجْلِكُم؛
إِنَّ مَحَبَّةَ المَسِيحِ تَأْسُرُنَا، لأَنَّنَا أَدْرَكْنَا هذَا، وهوَ أَنَّ وَاحِدًا مَاتَ عَنِ الجَمِيع، فَالجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا.
لَقَدْ مَاتَ عَنِ الجَمِيع، لِكَي لا يَحْيَا ٱلأَحْيَاءُ مِنْ بَعْدُ لأَنْفُسِهِم، بَلْ لِلَّذي مَاتَ عَنْهُم وقَامَ مِن أَجْلِهِم.
إِذًا فَمُنْذُ الآنَ نَحْنُ لا نَعْرِفُ أَحَدًا مَعْرِفَةً بَشَرِيَّة، وإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا المَسِيحَ مَعْرِفَةً بَشَرِيَّة، فَالآنَ مَا عُدْنَا نَعْرِفُهُ كَذَلِكَ.
إِذًا، إِنْ كَانَ أَحَدٌ في المَسِيحِ فَهُوَ خَلْقٌ جَدِيد: لَقَدْ زَالَ القَدِيم، وصَارَ كُلُّ شَيءٍ جَدِيدًا.
وكُلُّ شَيءٍ هُوَ مِنَ ٱلله، الَّذي صَالَحَنَا مَعَ نَفْسِهِ بِالمَسِيح، وأَعْطَانَا خِدْمَةَ المُصَالَحَة؛
لأَنَّ ٱللهَ صَالَحَ العَالَمَ مَعَ نَفْسِهِ بِالمَسِيح، ولَمْ يُحَاسِبِ ٱلنَّاسَ عَلى زَلاَّتِهِم، وأَوْدَعَنَا كَلِمَةَ المُصَالَحَة.
إنجيل القدّيس يوحنّا (20: 26-31)
بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّام، كَانَ تَلامِيذُ يَسُوعَ ثَانِيَةً في البَيْت، وتُومَا مَعَهُم. جَاءَ يَسُوع، والأَبْوَابُ مُغْلَقَة، فَوَقَفَ في الوَسَطِ وقَال: «أَلسَّلامُ لَكُم!».
ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبَعَكَ إِلى هُنَا، وٱنْظُرْ يَدَيَّ. وهَاتِ يَدَكَ، وضَعْهَا في جَنْبِي. ولا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ كُنْ مُؤْمِنًا!».
أَجَابَ تُومَا وقَالَ لَهُ: «رَبِّي وإِلهِي!».
قَالَ لَهُ يَسُوع: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي آمَنْت؟ طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَرَوا وآمَنُوا!».
وصَنَعَ يَسُوعُ أَمَامَ تَلامِيذِهِ آيَاتٍ أُخْرَى كَثِيرَةً لَمْ تُدَوَّنْ في هذَا الكِتَاب.
وإِنَّمَا دُوِّنَتْ هذِهِ لِكَي تُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ ٱبْنُ ٱلله، ولِكَي تَكُونَ لَكُم، إِذَا آمَنْتُم، الحَيَاةُ بِٱسْمِهِ.