منذ ألفي عام، كان إبليس يحاول اقناع الرب يسوع في البرية ليحول الحجارة إلى خبز، من خلال خدعة ” إن كنت ابن الله ” (لوقا 4: 3). وتستمر محاولات ابليس، مع ابن الإنسان، إلى يومنا هذا، وربما إلى الأبد. لكن من يؤمن بابن الله، ينتصر بنفس كلمته وهي “مكتوب ان ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (لوقا 4: 4). يسقط الإنسان في وهم أنه يستطيع تحويل الحجارة إلى خبز، بعد تهميش الله. إذ أنه يعتبر الله كخيار خاص لا يمكنه التدخل في الحياة العامة، أو لا يؤمن به، كضامن لحياته كلها، كمصدر ومقصد وهدف. للأسف إن بعض المجتمعات قد نظمت الحياة بطريقة تجعل من الله غريباً أو غير موجود، فالسعي لتأمين النمو والأمان والسلام الاجتماعي، وحتى التطور على كافة الأصعدة، بمعزل عن الله، أثبت أن الإنسان دخل في خدعة إبليس، ومنح نفسه الحجارة بدل الخبز. في عالم تضاربت فيه الحقائق عن الله بات ضرورياً، لنا كمسيحيين، مؤمنين بيسوع المسيح، أن ننهج نهج من نؤمن به، فهو الذي جاء ليشهد للحق. إن الإنسان لا يستطيع أن يمنح نفسه الحياة، فمفهوم الحياة مرتبط بالله، والعلاقة مع الله هي التي تهب الإنسان الحياة، فإن الإنسان يحيا بكل كلمة تخرج من فم الله، وعليه تقع علينا مهمة إعادة أولية الله، على كل شيء، في عالمنا وفي حياتنا، لأن تحقيق ذواتنا ومعرفتها وإيجادها يستند على هذه الأولية لله، ومن خلال معرفتنا لإرادة الله واتباعها يمكننا أن نجد خبزنا الحي، الذي فيه خيرنا الحقيقي. في العشاء الأخير، “وفيما هم يأكلون اخذ يسوع الخبز و بارك و كسر و اعطى التلاميذ و قال خذوا كلوا هذا هو جسدي و اخذ الكاس و شكر و اعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم، لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا”(متى 26: 26 – 28)، وقد سبق الرب يسوع فأعلن قائلاً: ” انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء ان اكل احد من هذا الخبز يحيا الى الابد و الخبز الذي انا اعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم” (يوحنا 6: 51). نجد من خلال كلام الإنجيل تقدمة يسوع لذاته، فهو يهب ذاته بحب عميق مرده وأساسه الطاعة والتسليم الكامل لإرادة الله الآب. من هنا فقط، نستطيع فهم البعد الافخارستي الذي نعيشه في كنائسنا، على مائدة الرب، إذ نتشارك تقدمة يسوع ذاته لنا، لنصبح بدورنا خبزاً حياً يأكل منه العالم. إن المشاركة في الافخارستيا تقتلع منا حب الانفرادية التي تجعلنا نحول الحجارة في حياتنا إلى خبز، فنحن كجماعة نلتقي بإيمان واحد، برب واحد، يسوع المسيح، به نعيش حباً متبادلاً فنضحى جماعة محبوبة ومخلَّصة ومُحِبة ومخلِّصة. تحمل لنا الافخارستيا معنى مسؤوليتنا نحو الآخرين، إذ بهذا الحب نقدم ذواتنا مثل الرب يسوع المسيح، فنتقاسم لقمة عيشنا، ونُلبس العريان، ونسقي العطشان، ونزور المريض ..الخ، فاللامبالاة لمصير إخوتنا تنبع من عيش الحب الملموس من خلال عيش الافخارستيا. في الصليب، قمة الحب ووهب الذات، نجد خبزنا، رغم أن ميل حكمتنا البشرية يرى فيه حجارة، إذ أن نفس الكلمة التي استخدمها إبليس في تجربته ليسوع في البرية، استخدمها مشاهدو المسيح مصلوباً إذ صرخوا ” إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب فنؤمن بك “، فكانوا يحاولون جعل يسوع المصلوب يحول الحجارة إلى خبز، لكن فهم يسوع لأولية الله في حياته وبالتالي تتميم إرادته، جعله يحول الصليب إلى خبز حي، أطعم منه العالم الخلاص ووهبه الملكوت السماوي، وعلى هذا فإن كلمة الله هي التي تُحيي وتغذي الحياة وتعطي كل المعنى للوجود البشري. في النهاية إن داء البشرية اليوم، كما كان في كل يوم، هو الأنانية والانفرادية، ومنذ ألفي عام وعلى الصليب، كان دواء البشرية هو الخبز الحي، الذي هو ثمرة طاعة الرب يسوع المسيح لله واعتبار أولية الله على كل شيء هي المهمة الأولى والأساسية لتغذية العالم، لذا وجب علينا، نحن أبناء الافخارستيا، أن نصنع خبزاً للحياة، من ثمر طاعة المسيح حتى الصليب، معجوناً بمواهب الروح القدس ومخبوزاً بنار الحب الإلهي، وعلى مثال مريم العذراء ،فلنكن ذاك الحشا والمستودع المستعد ليقدم خبز الحياة – الرب يسوع المسيح لإنسان عصرنا.لقد حولنا الحجارة إلى خبز