الصلاة في زمن الحرب

الحرب ذاك المفهوم الذي يجعل الإنسان إما خاسر وإما رابح، منتصر أو مخزى.

الحرب تلك الحالة التي فيها تجد في الإنسانية، أنواعاً من التناقض، ففي الحرب هناك أناس مع وآخرون ضد، أناس يحاربون بعضهم على فكرة، على أرض، على مصالح، حتى على الله وباسم الله، أناس لهم معتقد يدافعون عليه، أناس يحاربون المرض، والفقر والفشل، وهناك أناس يحاربون بجهلهم الأمل والرجاء ويزرعون الشكوك في كل مكان، وأناس لا علاقة لهم في كل ما يجري من حولهم بين المتخاصمين، يذوقون أمرّ المر، فيحاربون الواقع لكي ينجوا من أذاهم.

11-2806.jpg

في منطق الأمور والواقع وفي العودة إلى الماضي السحيق وإلى تاريخ الأمم، نجد الحرب كمفهوم سائد، في كل زمن، على صعيد عام وآخر خاص، نجدها في الصراع بين الخير والشر، نجدها بين إنسان يحارب لتحقيق مصلحة ما، ضد إنسان له مصلحة ما يحارب لأجلها، نجدها عند إنسان يحارب نفسه ضد ما يعيق تقدمه، فيحارب أميّته بالتعلم، وجهله بالثقافة، وخطيئته بالفضيلة، فهناك من يستسلم وهناك من يبقى يحارب ولا يفلح، وهناك من ينتصر ويتقدم نحو حرب أخرى.

الحرب دائمة الوجود طالما الإنسان موجود.

في كل حرب، يخسر الإنسان أو ينتصر، بناءً على إمكانياته وما هي والوسائل التي يستخدمها في خوضه لمعركته. ولطالما شكلت تلك العلاقة مع الله، الإمكانية الأكبر لدى الإنسان. فاتكل الإنسان على الله في انتصاراته، ولكن هناك من اتكل وخسر.

نحن نعلم أن الصلاة هي ذاك التواصل مع الله، إلا أننا في كثير من الأحيان، نتواصل مع الله بطريقة كمن له الفهم الكافي والوافي لكي يعرض على الله مخططاً لحل مسألة ما أو مشكلة ما قد تعرضنا لها.

والسؤال الأكثر إثارة في أيام الحرب والعنف وأعمال الشر هو أين هو الله من كل ما يحدث؟.

ألا يقدر الله أن يغير كل ما يحدث إلى ما هو أفضل؟

لماذا لا يسمعنا ولا يستجيب ويتدخل لمنع القتل والشر وكل مصيبة؟

في زمن الحرب .. من يصلي ولمن ولماذا؟

الإنسان يصلي، لأنه مرتبط بإله.

يصلي كل إنسان محتاج، يعيش في ضيقة، ويصلي لأجل تدخل من هو قادر أكثر منه على فعل شيء، يصلي لكي يشعر بالرضى الداخلي على نفسه، خوفاً من عواقب ترك الله.

كتب سورين كيركيغارد ذات مرة : “إن الصلاة لا تغير الله، إنما تغيرك أنت“.

وإذا تأملنا قليلاً في تلك الكلمات لوجدناها منطقية، إلا أنها لا تتوافق مع كلام الرب يسوع المسيح عندما قال: ” اسألوا تعطوا .. اطلبوا تجدوا “، وتظهر الله على أنه هو من يريد ذلك، إلا أن الجانب الإيجابي لتلك الكلمات من سورين كيركيغارد، هو تغيير الإنسان لنفسه قبل غيره، وهذه هي نقطة الارتكاز الأساسية في حياة الشعوب.

فإذا شنّ كل إنسان، حرباً على ذاته، ليحقق نجاحاً وانتصاراً يتوافق مع ارتباطه بالله، فعندئذ نعيش بسلام.

ولكن هناك مشكلة ومشكلة كبيرة جداً، تستلزم حرباً شاملة على الفكر البشري، وهي معرفة من هو الله. فهل يعرف الإنسان من يعبد؟ لأننا نجد في عالمنا، أن لكل إنسان إله، يسير حسب اعتقاده به.

بحسب ما توصل إليه عقلي إلى الآن، فإن هناك معطىً واحداً لمعرفة الله الحقيقي من ذاك المزيف، وهذا المعطى الوحيد هو الحب، والحب العميق، ليس كذاك الحب الذي يجعلني أرغب في الحصول على ما أحب أن يكون لي، بل على ذاك الحب الذي أعطي به ذاتي لكي يحقق الآخر ما يحب أن يكون له، فلو فعل كل منا هذا فحتماً أننا نعرف الله الحقيقي، لأن الله الحقيقي يتراءى ويتجسد في تلك القيم الإنسانية العميقة في الإنسان والتي تجعله أكثر إنسانية، فعندما ألتزم بكل ما يلزمني لأكون إنساناً حقيقياً، أنمو في معرفة الله الحقيقي، لأنني سأسير حسب حقيقتي، وهذا سرٌ وجوديّ.

gazamonday115228alm01.jpg

لمن سوف يستجيب الله؟ لي أم لعدوي؟ فأنا أصلي وعدوي أيضاً وكلانا لكي ينتصر الواحد على الآخر.

وهنا يأتي جواب الرب يسوع بأن: ” تعرفون الحق والحق يُحرركم “(يوحنا 8: 32).

ولمعرفة الحق، الذي هو الله، لنا نموذج فعّال، إنه من قال: “أنا هو الطريق والحق والحياة“( يوحنا 6:14 ).

يا الله، إني أختارك، أنت الحق وحدك، فعليك أبني بيتي يا صخر الدهور، آمين.