الأحد الرابع عشر بعد العنصرة

المسيح هو السبت الحقيقي


رسالة القدّيس بولس الأولى إلى طيموتاوس (2: 1-15) 

إِذًا فَأَطْلُبُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ تُقَامَ التَّضَرُّعَات، والصَّلَوات، والٱبْتِهَالات، وأَفْعَالُ الشُّكْر، مِن أَجْلِ جَمِيعِ النَّاس،

ومِنْ أَجْلِ المُلُوك، وذَوِي المَنَاصِبِ جَمِيعًا، حَتَّى نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً وهَادِئَة، بِكُلِّ تَقْوَى ورَصَانَة.

فهذَا حَسَنٌ ومَقبُولٌ أَمَامَ اللهِ مُخَلِّصِنَا،

الَّذي يُريدُ أَنْ يَخْلُصَ جَمِيعُ النَّاس، ويُقْبِلُوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ.

فَإِنَّ اللهَ واحِد، والوَسِيطَ بينَ اللهِ والنَّاسِ وَاحِد، هوَ الإِنْسَانُ المَسِيحُ يَسُوع،

الَّذي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عنِ الجَمِيع. وهذِهِ الشَّهَادَةُ قَد تَمَّتْ في وَقْتِهَا.

وأَنَا جُعِلْتُ لَهَا مُبَشِّرًا ورسُولاً. أَلْحَقَّ أَقُولُ ولا أَكْذِب، إِنِّي صِرْتُ مُعَلِّمًا لِلأُمَمِ في الإِيْمَانِ والْحَقّ.

إِذًا فأُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الرِّجَالُ في كُلِّ مَكَان، رافِعِينَ أَيْدِيَهُم نَقِيَّة، بلا غَضَبٍ ولا جِدَال.

كَذلِكَ أُرِيدُ أَنْ تَتَزَيَّنَ النِّسَاءُ بِلِبَاسٍ لائِق، بِحِشْمَةٍ ورَزَانَة، لا بِجَدْلِ الشَّعْرِ والذَّهَب، أَوِ الَّلآلئِ أَوِ الثِّيَابِ الفَاخِرَة،

بَلْ بأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ تَليقُ بنِسَاءٍ تَعَاهَدْنَ تَقْوى الله.

على الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَلَقَّى التَّعْليمَ في هُدُوء، وبِكُلِّ خُضُوع.

ولا أَسْمَحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّم، ولا أَنْ تَتَسَلَّطَ عَلى الرَّجُل، بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تَلزَمَ الهُدُوء.

فَإِنَّ آدَمَ قَدْ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاء.

وآدَمُ لَمْ يُخْدَعْ، بَلِ ٱلْمَرْأَةُ خُدِعَتْ فَتَعَدَّتِ الوَصِيَّة.

ولكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلادَةِ الأَوْلاد، إِنْ ثَبَتَتْ على الإِيْمَانِ والمَحَبَّةِ والقَدَاسَةِ مَعَ الرَّزَانَة.


إنجيل القدّيس متّى (11: 20-30)

شَرَعَ يَسُوعُ يُبَكِّتُ المُدُنَ الَّتي جَرَتْ فيها أَكْثَرُ أَعْمَالِهِ القَدِيرَة، لأَنَّهَا مَا تَابَتْ، فَقَال:

«أَلوَيْلُ لَكِ يا كُورَزِين! أَلوَيلُ لَكِ يا بَيْتَ صَيْدا! لأَنَّهُ لَو جَرَى في صُورَ وصَيْدا مَا جَرَى فيكُمَا مِنْ أَعْمَالٍ قَدِيرَة، لَتَابَتَا مِنْ زَمَانٍ في المِسْحِ والرَّمَاد!

ولكِنَّي أَقُولُ لَكُم: إِنَّ صُورَ وصَيْدا، سَيَكُونُ مَصِيرُهُمَا، في يَومِ الدِّين، أَخَفَّ وَطْأَةً مِنْ مَصِيرِكُما!

وأَنْتِ يَا كَفَرْنَاحُوم، أَلَنْ تَرْتَفِعي إِلى السَّمَاء؟ فَإِلى الجَحيمِ سَتَهْبِطِين! لأَنَّهُ لَوْ جَرى في سَدُومَ مَا جَرى فيكِ مِنْ أَعْمَالٍ قَدِيرَة، لَبَقِيَتْ إِلى اليَوم!

لكنِّي أَقُولُ لَكُم: إِنَّ أَرْضَ سَدُوم، سَيَكُونُ مَصِيرُهَا، في يَوْمِ الدِّين، أَخَفَّ وَطْأَةً مِنْ مَصِيرِكِ!.»

في ذلِكَ الوَقْتِ أَجَابَ يَسُوعُ وقَال: «أَعْتَرِفُ لَكَ، يَا أَبَتِ، رَبَّ السَّمَاءِ والأَرْض، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ الأُمُورَ عَنِ الحُكَمَاءِ والفُهَمَاء، وأَظْهَرْتَها لِلأَطْفَال!

نَعَمْ، أَيُّها الآب، لأَنَّكَ هكَذَا ٱرْتَضَيْت!

لَقَدْ سَلَّمَنِي أَبي كُلَّ شَيء، فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَعْرِفُ ٱلٱبْنَ إِلاَّ الآب، ومَا مِنْ أَحَدٍ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ ٱلٱبْن، ومَنْ يُرِيدُ ٱلٱبْنُ أَنْ يُظْهِرَهُ لَهُ.

تَعَالَوا إِليَّ يَا جَمِيعَ المُتْعَبِينَ والمُثْقَلِينَ بِالأَحْمَال، وأَنَا أُريْحُكُم.

إِحْمِلُوا نِيْري عَلَيْكُم، وكُونُوا لي تَلاميذ، لأَنِّي وَدِيعٌ ومُتَواضِعُ القَلْب، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُم.

أَجَل، إِنَّ نِيْري لَيِّن، وحِمْلي خَفِيف!».

الموعظة

شريعة دينية لا يمكن تطبيقها عملياً، أو أن تكون محصورة في تطبيقها على بعض الفئات من الناس، هي شريعة تُثقل كاهل الإنسان أكثر مما توفر له الوسيلة المريحة للالتقاء بالله.

سيمضي العمر ونرحل عن هذه الدنيا دون أن نحج إلى الأرض المقدسة، وذلك بسبب الأوضاع هنا وهناك.

والفقير لن يستطيع أن يذبح ذبيحة كفارية أو ذبيحة شكر لله بسبب ثمنها..

والتقدمة إلى الهيكل عربون إغداق النعم علينا، لن تكون إلا فلسا الأرملة، وسيكون ضميرنا مرتاحاً من كل عبء إذا قدمناهما..

سنأتي كل يوم أحد ونحضر القداس، وأيضاً وفقط في الأعياد الكبيرة والصغيرة والمناسبات الاجتماعية المختلفة من فرح وحزن، إلا أننا لن نشارك في محتوى وفحوى وهدف اللقاء مع إخوتنا والله.

سيأتي الصيام ونقلق من أساليبه، وتصيبنا الشكوك، وإن أكلنا قبل الموعد أو بعده، وإن كان ما نأكله يرضي الله أو يغضبه، ولن ندرك حينها أن صيامنا أعمق من أكلة امتنعنا عنها.

سنقدم أطفالنا إلى هيكل الرب، بعد أربعين يوماً أو ستين، حسب الشريعة، وسنربيهم على النجاح، في كل شيء، ما عدا إنسانيتهم.

سنطلب ونعاتب الكاهن من أجل تكريس بيوتنا (رشها بالماء المقدس)، ولن نتخطى الأمر إلا إذا فعل، وننسى أننا نحن من نقدس كل شيء وليس الجدران والأثاث هم من يقدّسونا..

سنحافظ على عدم إجهاض أي مولود، ولكننا لن نعتبره سوى غلطة، ولن نحبه ما دمنا أحياء، سنرضخ للأمر الواقع، ولن نصحح غلطتنا إلا بغلطة أخرى..

سنستعمل كل موانع الحمل، لنعبّر عن عدم قدرتنا على ضبط أنفسنا، وسنقول إننا لا نقدر وهذا طبيعي وإلى ما هنالك من تعزيات زائفة نعزي بها أنفسنا لنبرر كل شيء، ولن نتخذ ولو قراراً واحداً، حراً وواعياً، بأن نريد أن يكون هذا أو لا نريد..

قال الإنجيل كذا ولم يقل كذا، وأنتم جماعة حرفية أم روحانية؟، أما أنكم تقطفون ما يحلو لكم وتضعونه فيما يصب وأوضاعكم الراهنة وبمصالحكم، لتكفّروا مَن تريدون وتبرّروا لأنفسكم ما تريدون.

أعيد وأكرر أن شريعة دينية لا يمكن تطبيقها عملياً، أو أن تكون محصورة في تطبيقها على بعض الفئات من الناس، هي شريعة تُثقل كاهل الإنسان أكثر مما توفر له الوسيلة المريحة للالتقاء بالله.

الخلاف بين يسوع وبين جماعات الشريعة (الفريسيين والكتبة وشيوخ اليهود) يملأ كتابات العهد الجديد، والصراع بينهم كان على تطبيق الشريعة، وما شريعة السبت إلا واحدة من الخلافات الكثيرة، وطبعاً نحن نعرف ما كان جواب يسوع في كل مرة، إلا أننا اليوم اخترعنا سبوتاً (جمع سبت)، حجمت أفعالنا وأقوالنا و اعتبرناها مقدسة. ولم نُعِر اهتماماً، إلا القليل، فيما يختص برفع أثقال وأحمال الشريعة عن كاهل الإنسان.

قال القديس أوغسطينوس: "المسيح هو السبت الحقيقي"، وإن كان مفهوم السبت يعني الراحة، فإذاً المسيح هو الراحة الحقيقية، وكل الأفعال الدينية الشرائعية تعاملت مع مفهوم السبت بشكل صارم ومبالغ فيه، ولأجل هذا المفهوم تنامى الاحتدام بين يسوع وعلماء الشريعة، (يوحنا 5: 9...) ولكن يسوع، وهو يعمل الخير في يوم السبت، ألا يقتدي بأبيه، الذي، وإن دخل إلى راحته في نهاية الخلق، لا يزال يسوس العالم وينعش حياة البشر؟ (يوحنا 5: 17). (راجع معجم اللاهوت الكتابي، حرف "س"، كلمة "سبت").

لقد حاول الإنجيلي متى في نص إنجيل اليوم إظهار ما كان عليه موسى وما أو من هو يسوع، وهذه المقابلة بينهما تجعلنا نفهم ما كان عليه يسوع، فهو الابن الذي، وحده، يعرف الآب، أما موسى فبقي خادم قدس الأقداس دون أن يدخل إليه، لأنه لا يرى أحدٌ وجهَ الله ويبقى على قيد الحياة سوى يسوع المسيح الذي رأى الآب وأخبرنا عنه (يوحنا 1: 18).

إن زرع الشريعة الدينية في حياة الناس أسهل من زرع الإيمان، وعليه، ومع مرور الوقت، فإنَ الشعور الديني يأخذ شكلاً في الواقع، يصبح واقعاً، ويتعلق الإنسان بالممارسات الدينية أكثر من فعل الإيمان الذي تتضمنه.

لا يمكننا فك الارتباط من الشرائع الدينية ولكن يجب أن تحملنا إلى الإيمان، وتكون مريحة، غير معقدة، بسيطة، قادرة على نقلنا إلى الجوهر ، أي إلى الله مباشرة. فالتديّن وجه من وجوه الشلل إذا لم يَقُدْني إلى تحرير ذاتي.

لقد طرح الرب يسوع كلامه في نص إنجيل اليوم، بعد رفض عدة مدن دعوته والإيمان به، هذا الجيل لم يقبل أن يصير " طفلاً "، فحين لم يفهم الكبار دعوته، تكلم يسوع إلى الصغار - المتواضعين، ودعاهم ليحملوا نيره الخفيف والطيب، ويبتعدوا عن الأحمال الثقيلة والأعباء التي كان يفرضها معلمو الشريعة في ذاك الوقت. وقد أعلن يسوع عن علاقته بالآب، فهو الابن، ومن خلاله أصبحنا أبناء، فلم يعد هناك مجالاً للقلق والاضطراب بل نعيش الحب معاً كأسرة واحدة.

سرُّ الله تم كشفه من خلال يسوع، ولن يفهمه سوى أولئك الذين أدركوا مفهوم الطفل أمام أبيه، وفي كل مرة نحاول أن نكبر حسب معايير العالم، فإننا نبتعد عن فهم هذا السر. إن سر الله كُشِف للأطفال - للصغار، وكم يصعب أن نعيش كصغار في عالم يتلاعب به الكبار، وكم يصعب أن نكون صغاراً حين يكون هدف حياتنا أن نكون كباراً.. كباراً في الاعتبار والمال والشهرة ..إلخ.

إننا موضوع محبّة الآب، نحن محبوبون، هذا ما كشفه لنا الرب يسوع، ومن الذي يحبّنا؟ الله بالذات.
قد يخطر ببالنا أننا لسنا بشيء، هذا تواضع كاذب، وهذا يعطينا علامة على أننا لسنا صغاراً بعد، فإن كنا - لا شيء - فكيف يحب الله - اللاشيء - ؟، في الحقيقة نحن - كل شيء - والله يحبنا وقد افتقر لأننا كل شيء. لذلك كانت دعوة الرب يسوع إلى الصغار هي أن يكونوا ودعاء ومتواضعي القلب، فالوديع والمتواضع القلب هو ذاك الطفل الذي يعيش مصاعب الحياة ولكنه يتخطاها حين يعيش الحب، فينسى هموم وأثقال الحياة، ويسير قدماً، يصنع من نفسه، إنساناً مقدساً على صورة أبيه السماوي ومثاله.

إنها لحكمة عظيمة أن ننظر بعيني طفل إلى الله، فالإيمان لا يجب أن يعتمد على مجهود عقلي، بل يُقبل ببساطة الأطفال، وإن كنا، إلى الآن، لا نفهم من هم الأطفال وكيف نصبح ما هم عليه، فلنستبدل كلمة الأطفال بـ: "الأبرار"، عندها سنفهم أن البار هو المتواضع والوديع، وهو الذي يقبل الله كما هو، دون تعقيد، هذا ما يجعله يدخل عمق الملكوت.

لنهرب إذاً من الكبرياء و لنقتدي ببساطة الأطفال - الأبرار، فالحق يتعارض مع الكبرياء بينما توافقه البساطة وترفعه بتواضعها.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.