الأحد السابع بعد العنصرة 

العميان الذين ظنوا أنفسهم مبصرين 


رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل قورنتس (6: 1-12) 

يا إِخوَتِي، إِذَا كَانَ لأَحَدِكُم دَعْوَى عَلى أَحَدِ الإِخْوَة، فَهَلْ يَجْرُؤُ أَنْ يُحَاكِمَهُ عِنْدَ الوَثَنِيِّينَ الظَّالِمين، لا عِنْدَ الإِخْوَةِ القِدِّيسِين؟

أَوَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ القِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ العَالَم؟ وإِذَا كُنْتُم سَتَدينُونَ العَالَم، أَتَكُونُونَ غَيْرَ أَهْلٍ أَنْ تَحْكُمُوا في أَصْغَرِ الأُمُور؟

أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ المَلائِكَة؟ فَكَم بِالأَحْرَى أَنْ نَحْكُمَ في أُمُورِ هذِهِ الحَيَاة‍‍!

إِذًا، إِنْ كَانَ عِنْدَكُم دَعَاوَى في أُمُورِ هذِه الحَيَاة، فَهَل تُقِيمُونَ لِلحُكْمِ فيهَا أُولئِكَ الَّذِينَ تَرْذُلُهُمُ الكَنِيسَة؟

أَقُولُ هذِا لإِخْجَالِكُم! أَهكَذَا لَيْسَ فِيكُم حَكِيمٌ وَاحِدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَخٍ وأَخِيه؟

بَلْ يُحَاكِمُ الأَخُ أَخَاه، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ لَدَى غَيرِ المُؤْمِنِين!

وفي كُلِّ حَال، إِنَّهُ لَعَيْبٌ عَلَيْكُم أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُم دَعَاوَى! أَلَيْسَ أَحْرَى بَكُم أَنْ تَحْتَمِلُوا الظُّلْم؟ وَأَحْرَى بِكُم أَنْ تتَقَبَّلُوا السَّلْب؟

ولكِنَّكُم أَنْتُم تَظْلِمُونَ وتَسْلُبُون، وتَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِمَنْ هُم إِخْوَة!

أَوَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لَنْ يَرِثُوا مَلَكُوتَ الله؟ فَلا تَضِلُّوا! فلا الفُجَّار، ولا عَابِدو الأَوْثَان، ولا الزُّنَاة، ولا المُفْسِدُون، ولا مُضَاجِعُو الذُّكُور،

ولا السَّارِقُون، ولا الطَّمَّاعُون، ولا السِّكِّيرُون، ولا الشَّتَّامُون، ولا الخَاطِفُون، يَرِثُونَ مَلَكُوتَ الله!

ولَقَد كَانَ بَعْضُكُم كَذَلِكَ! لكِنَّكُمُ ٱغْتَسَلْتُم، لكِنَّكُم قُدِّسْتُم، لكِنَّكُم بُرِّرْتُم بِٱسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيح، وَبِرُوحِ إِلهِنَا.

هُنَاكَ مَنْ يَقُول: «كُلُّ شَيءٍ مُبَاحٌ لِي!». فَأُجِيب: ولكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيءٍ يَنْفَع! «كُلُّ شَيْءٍ مُبَاحٌ لِي!». ولكِنِّي لَنْ أَدَعَ شَيْئًا يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ!


إنجيل القدّيس يوحنّا (9: 1-6)

فيمَا كَانَ يَسُوعُ مَارًّا، رَأَى رَجُلاً أَعْمَى مُنْذُ وِلادَتِهِ.

فَسَأَلَهُ تَلامِيذُهُ قَائِلين: «رَابِّي، مَنْ خَطِئَ، هذَا أَمْ وَالِدَاه، حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟».

أَجَابَ يَسُوع: «لا هذَا خَطِئَ، ولا وَالِدَاه، ولكِنْ لِتَظْهَرَ فِيهِ أَعْمَالُ الله.

عَلَيْنا، مَا دَامَ النَّهَار، أَنْ نَعْمَلَ أَعْمَالَ مَنْ أَرْسَلَنِي. فَحِينَ يَأْتِي اللَّيْل، لا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَل.

مَا دُمْتُ في العَالَمِ فَأَنَا نُورُ العَالَم».

ولَمَّا قَالَ هذَا، تَفَلَ في التُّرَاب، وصَنَعَ بِٱلتُّفْلِ طِينًا، وَمَسَحَ بِٱلطِّينِ عَيْنَي الأَعْمَى،

الموعظة

من قال أن من لا يرى نور الشمس ولا يُميّز ما يتحرك ولا يرى جميع الألوان المحيطة ولا الأشياء والكائنات هو أعمى؟

بالحقيقة نحن من قلنا، نحن من حددنا، بجهلنا ومحدودية تفكيرنا، أن من يرى ويُميّز هو مبصر ومن لا يرى ويُميّز هو أعمى، ويصدف أن نقول لأحد اصطدم بنا (شو أعمى؟ مانك شايف؟)، واعتدنا على أن نقول عمّن يسير في طرق غير مستقيمة أنه ضلّ طريقه، أي أنه لا يبصر الطريق المستقيم، بالرغم من أن له عينان تبصران..الخ، ويعني هذا أننا نعلم علم اليقين أن ليس صاحب العينين السليمتين هو الذي يرى ويبصر، وليس كل من تضررت عينيه هو أعمى.

نولد عمياناً حتى لو أننا ننظر فنرى، والمشكلة هي أن نكبر ونظل عمياناً. والمشكلة الحقيقية أننا نولد في عالم أعمى ونكبر فيه ونصدق كل شيء فيه، لدرجة أننا نصبح عمياناً ونظن أن ليس لدينا مشكلة في النظر، بمجرد أننا نرى ما حولنا من الأشياء ونتفاعل معها.

حتى في الأمور التي تتعلق بالله، فأن نرى في معجزة شفاء الأعمى قدرة الله على إعادة الخلق وإعادة وظيفة النظر لرجل وُلد أعمى ولا نرى وندرك البعد الإنساني الحقيقي التي تطاله هذه المعجزة فنحن عميان. إذ إن الشفاء الإعجازي الحقيقي هو في أن يعود الإنسان ليرى الحياة بعيني الله، لا أن يرى ما حوله فقط، ويتضح في نص إنجيل اليوم أن العميان الحقيقيين هم من سألوا يسوع عن سبب ولادة هذا الرجل أعمى إذ أن لديهم نظرة خاطئة إلى الله، كانوا عمياناً عن حقيقته، وإذا أكملنا قليلاً قراءتنا سنلاحظ فيما بعد، عمى قلب الفريسيين، الذين كان دائماً همهم التقيد بالشريعة، وإزاحة الناس وإبعادهم عن النور الآتي إلى العالم.

يكثر من حولنا، أولئك الأشخاص الذين يفتخرون بيقيناتهم و متأكدون من نفوسهم، وأيضاً أولئك الذين لا ينظرون جيداً لما لديهم من إمكانات، و يشعرون شعوراً مفرطاً بعقدة النقص، وهناك من يلعن الظلمة ويمدح النور، وبالرغم من أن النور ممدوح وعظيم، إلا أننا لكي نرى النجوم تتلألأ لا بد من وجود الظلمة، لا بد من وجود تلك الخلفية السوداء ليسحرك بريق النور.

الخلفية السوداء أو الظلمة وكل ما تعنيه أو تدل عليه، تسوقنا لندرك حقيقة ما نحن عليه، وقد نسأل بـ : لماذا؟ عن كل شيء نحن عليه، لماذا وُلدت في هذه العائلة .. في هذا البلد .. في هذا الشكل.. لماذا ليس لدي كل ما أريد ولست كأولئك أو هؤلاء..؟ قد تكون هذه الخلفية السوداء عبارة عن عائلة مشوّهة، و مرض، و سمعة سيئة، و بلد لا يحترم الإنسان، وشكلٍ لا يراعي معايير العالم للجمال، وفقر، و إمكانات ضئيلة، ومحدودية عقل، وعلاقات فاشلة، وأيضاً حروب و أوبئة ومجاعات وكوارث طبيعية.. الخ، إلا أننا يجب أن نعلم أن هذه الخلفية السوداء تُظهر ما نحن عليه، لذلك واجب علينا أن نتلألأ، أن نكون ذلك النور الذي يعطي معنى لكل خلفية سوداء تسود حياتنا.

العميان الذين ظنوا أنفسهم مبصرين، وأقدم هنا اختبارات حياتية، كذاك الكاهن الذي يعتقد بأن وجوده في رعية ما لا يليق به، فهو يحمل شهادة اللاهوت والفلسفة وحرام أن يُعين في رعية صغيرة ريفية، لا يفقه أبناؤها سوى العادات والتقاليد التي تربوا عليها. إنه يحلم بتلك الخدمة المدلّلة، حيث يكون فيها كل شيء جاهزاً وعلى ما يرام. أو أن يعتبر أحدٌ أن كاهن (الضيعة) غير جدير بأن يعطي تعليماً حقيقياً عن الله وعن الإنسان..أو أن لا تقبل عائلة ما مصاهرة عائلة أخرى أدنى منها (مستوى).. أو أن لا يقبل حامل شهادة الدكتوراه أن يمدّ يده إلى البلاعة وينظفها.. وتطول الاختبارات، ويكثر العميان ويبقى أن يدرك كل واحد كيف يرى.

قال يسوع: "مَا دُمْتُ في العَالَمِ فَأَنَا نُورُ العَالَم"، وأستطيع أن أقول بلسان يسوع: " ما دمتُ في الظلمة فأنا النور "، إن آباءنا الشرقيون أطلقوا على المعمودية اسم "استنارة"، علامة منهم على أن روح المعمودية هو ينبوع متواصل للإيمان، وهو إمكانية جديدة تتيح لنا أن "نرى". فأنا أكون مسيحياً، ليس فقط عندما أؤمن بالله، بل عندما "أرى" البشر والأحداث وحياتي وتاريخ البشرية بعين يسوع المسيح، أي كما هو يراها ويتعامل معها.

لا تخافوا، إن كان ما تعانون منه هو في الجسد، بل خافوا من أن تكون معاناتكم هي في النفس، لا تخافوا إن كانت وظيفة البصر لديكم قد فُقدت، لأنكم، ببساطة، قادرون على قراءة هذه الكلمات، بل خافوا من ألا تروا أنكم نورٌ في ظلمة العالم.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.