واقفين لا نائمين 

الأحد الأول بعد الصليب 

رسالة القدّيس بولس إلى أهل غلاطية .(3: 1-14)  

يا إِخوَتِي، أَيُّها الغَلاطِيُّونَ الأَغْبِيَاء، مَنْ سَحَرَكُم، أَنْتُمُ الَّذين رُسِمَ أَمَامَ عُيُونِكُم يَسُوعُ المَسيحُ مَصْلُوبًا؟

أُريدُ أَنْ أَعْرِفَ مِنْكُمْ هذَا الأَمرَ فَقَط: أَمِنْ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ نِلْتُمُ الرُّوح، أَمْ مِنْ سَمَاعِ الإِيْمَان؟

أَهكَذَا أَنْتُم أَغْبِيَاء؟ أَبَعْدَمَا بَدَأْتُمْ بِالرُّوح، تُكَمِّلُونَ الآنَ بِالجَسَد؟

هَلِ ٱحْتَمَلْتُم كُلَّ تِلْكَ الآلامِ عَبَثًا؟ هذَا إِنْ كانَ عَبَثًا!

فالَّذي يَمْنَحُكُمُ الرُّوح، ويَعمَلُ فيكُمُ الأَعْمَالَ القَدِيرَة، أَمِنْ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ، أَمْ مِنْ سَمَاعِ الإِيْمَان؟

هكَذَا إِبرَاهِيم: «آمَنَ بِالله، فَحُسِبَ لَهُ ذَلِكَ بِرًّا».

فَٱعْلَمُوا إِذًا أَنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الإيْمَانِ هُمْ أَبْنَاءُ إِبرَاهِيم.

وَبِمَا أَنَّ الكِتَابَ سَبَقَ فرَأَى أَنَّ اللهَ سيُبَرِّرُ الأُمَمَ بالإِيْمَان، سَبَقَ فبَشَّرَ إِبْراهِيمَ قائِلاً: «فِيكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ الأُمَم».

إِذًا فالَّذِينَ هُمْ مِنَ الإِيْمَانِ يتَبَارَكُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ المُؤْمِن.

فجَميعُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ هُم تَحْتَ اللَّعْنَة، لأَنَّهُ مَكْتُوب: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لا يَثْبُتُ عَلى العَمَلِ بكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ في الشَّرِيعَة!».

ووَاضِحٌ أَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ يُبَرَّرُ بِالشَّرِيعَةِ أَمَامَ الله، لأَنَّ «البَارَّ بالإِيْمَانِ يَحْيَا».

ولَيْسَتِ الشَّرِيعَةُ مِنَ الإِيْمَان، بَلْ إِنَّ «مَنْ يَعْمَلُ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ يَحْيَا بِهَا».

فَالمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ الشَّرِيعَة، إِذْ صَارَ لَعْنَةً مِنْ أَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوب: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلى خَشَبَة!».

وذَلِكَ لِكَيْ تَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهيمَ إِلى الأُمَمِ في المَسِيحِ يَسُوع، فَنَنَالَ بِالإِيْمَانِ الرُّوحَ المَوعُودَ بِهِ.

إنجيل القدّيس لوقا .(21: 29 - 38)

وقالَ لَهُم مَثَلاً: «أُنْظُرُوا إِلَى التِّينَةِ وَسَائِرِ الأَشْجَار.

فَحِينَ تُبَرْعِم، تَنْظُرُونَ إِلَيْها فَتَعْلَمُونَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُم أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيب.

هكذَا أَنْتُم أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُم تِلْكَ الأَحْدَاث، فَٱعْلَمُوا أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَرِيب.

أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: لَنْ يَزُولَ هذَا الجِيلُ حَتَّى يَحْدُثَ كُلُّ ذلِكَ.

السَّمَاءُ والأَرْضُ تَزُولان، أَمَّا كلامِي فَلَنْ يَزُول.

ولكِنِ ٱحْذَرُوا لأَنْفُسِكُم لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُم في الخَلاعَة، وَالسُّكْر، وَهُمُومِ الحَيَاة، فَيُفَاجِئَكُم ذلِكَ اليَوم؛

لأَنَّهُ سَيُطْبِقُ مِثْلَ الفَخِّ عَلى جَمِيعِ المُقِيمِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ كُلِّهَا.

فٱسْهَرُوا في كُلِّ وَقْتٍ مُصَلِّينَ لِكَي تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَهْرُبُوا مِنْ كُلِّ هذِهِ الأُمُورِ المُزْمِعَةِ أَنْ تَحْدُث، وَتَقِفُوا أَمَامَ ٱبْنِ الإِنْسَان».

وكانَ يَسُوعُ في النَّهَارِ يُعَلِّمُ في الهَيْكَل، وَفي اللَّيْلِ يَخْرُجُ وَيَبِيتُ في الجَبَلِ المَعْرُوفِ بِجَبَلِ الزَّيْتُون.

وكانَ الشَّعْبُ كُلُّه يَأْتِي إِلَيْهِ عِنْدَ الفَجْرِ في الهَيْكَلِ لِيَسْتَمِعَ إِلَيْه.

الموعظة

مع بداية زمن الصليب المقدس، تحثنا الكنيسة على السهر والمواظبة على الصلاة، وذلك طبقاً للنهج الذي علمنا إياه الرب يسوع بكلامه وبفعله، حيث أنه كان يواظب دوماً، بعد كل لقاء مع الناس، على الخروج إلى جبل الزيتون حيث كانت خلوة صلاته.

أن نكون ساهرين و متيقظين، هذا يعني أن نلاحظ حضور الله متجلياً في عالمنا، رغم أنّ كل شيء من حولنا، لا يساعد. فضجيج العالم وهمومه، وصخب الحياة السريعة، والفوضى في قرارات التحرر..الخ، كل ذلك حذرنا منه يسوع في نصِ إنجيل اليوم حين قال: "ٱحْذَرُوا لأَنْفُسِكُم لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُم في الخَلاعَة، وَالسُّكْر، وَهُمُومِ الحَيَاة".

الخبر الغير سار هو أننا في عالم يتحدانا، يتحدى الخير فينا، يحاول جاهداً أن ينتزع إنسانيتنا، ويسكب كل ثقله على كاهلنا، فيتعبنا، ويأخذنا بعيداً عن أصالة نفوسنا، فنتحرف أهواؤنا، وتكثر مآثمنا، ويكثر شقاءنا وتقل سعادتنا. فلا عدالة هنا ولا سلام ولا حتى توافق اجتماعي. وأما الخبر الجيد هو أنّ لنا وعدٌ من الله بأن يكون هو سعادتنا وحياتنا، فإن إيماننا بالله الذي هو محبة، يجعلنا نعيش ذاك الرجاء الكبير، في أنه يريد أن يرانا سعداء.

إن العالم هو من صنع أيدينا، في طبيعته ليس شراً حتمياً، ولكن ما نعطيه نحن يحوّله عن مساره الطبيعي. لذلك وجب علينا السهر والتيقظ لنحافظ على هوية عالمنا. وهذا يدفعنا بالأكثر، لبناء عالم أكثر تحضراً، وأكثر إنسانية، ويغلب عليه طابع المحبة، وبالتالي المشاركة في بناء علاقات إنسانية عميقة، قائمة على المحبة المتبادلة بين الأفراد.

إن بقي واحدٌ فقط من البشر لا يعيش في المحبة، فهذا يعني أننا في خطر، لذلك فإن السهر على نفوسنا واجب. وبالتالي عدم الانغماس في الخطأ والخطيئة أمرٌ لا بد منه، لتجنب ضياع عالمنا وهلاكه.

يطلب منا الرب يسوع أن نكون واقفين لا نائمين، وهو أوّل الواقفين والقائمين، فلقد كشف عن نفسه بقيامته، وأوضح معنى الحب والحرية بصليبه، وما هو الصليب إلّا الوقوف في موقف حب؟ فلنفكر إذاً في حضور الله، ونقبل الصليب علامة تحررنا بكل فرح، وننتصر ونغلب بذاك الذي أحبنا، وأنا على يقين ثابت، أنه لا يمكن أن يكون عالمنا عالماً صحيحاً ومعافى، إلّا بالمحبة العاملة بالإيمان بالله.

إن زمن الصليب هو في ختام السنة الطقسية. فيه نركّز على انضمامنا لمسيرة يسوع، ونعمل جاهدين على تحرير نفوسنا من كل ما هو ليس إنساني. لنصلّ برجاء، لكي لا تصبح مجتمعاتنا مهجورة إنسانياً. و لنسهر ونتأمل في كل تلك الأشكال التي يأتي من خلالها الرب يسوع المسيح. ولنضع ذواتنا أمام الله، متلقين منه نعمة الرجاء التي تجعلنا نصبر في انتظارنا، وشجعاناً في مواجهتنا و تحدياتنا. فزمن الصليب هو زمن انتصار وغلبة.

مع بداية زمن الصليب، فلنخرج ونصعد إلى العلاء، على مثال معلمنا الرب يسوع المسيح، لنصلي ونتأمل، ونفكّر في كيفية تحوّل العالم عن أيدينا، إلى عالم يسوده الحب والسلام، ولنحرر أنفسنا من عالم الخطيئة والشر، ولنسمع كلامه الذي لا يزول، ونترك كل زائل، وبركة الصليب ترافق حياتنا، فنصعد عليه حباً بأخينا الإنسان ونبذل نفوسنا، لنصبح نحن من يعطي الحياة والمعنى للعالم.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.