أيَّ مخلِّص نريد نحن؟ 

أحد الشعانين 5-4-2020 

رسالة القدّيس بولس إلى أهل رومة (11: 13-25) 
13 يا إِخوَتِي، لَكُمْ أَقُولُ، أَيُّهَا الأُمَم: مَا دُمْتُ أَنَا رَسُولاً لِلأُمَم، فإِنِّي أُمَجِّدُ خِدْمَتِي،
14 لَعَلِّي أُثِيرُ غَيْرَةَ بَنِي قَوْمي، فأُخَلِّصُ بَعْضًا مِنْهُم.
15 فإِنْ كَانَ إِبْعَادُهُم مُصَالَحَةً لِلعَالَم، فمَاذَا يَكُونُ قَبُولُهُم إِلاَّ حَيَاةً مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات؟
16 وإِنْ كَانَتِ البَاكُورَةُ مُقَدَّسَة، فَٱلعَجْنَةُ أَيْضًا مُقَدَّسَة. وإِنْ كَانَ الأَصْلُ مُقَدَّسًا، فَالأَغْصَانُ أَيْضًا مُقَدَّسَة.
17 وإِنْ كَانَتْ بَعْضُ الأَغْصَانِ قَدْ قُطِعَتْ، وكُنْتَ أَنْتَ الزَّيْتُونَ البَرِّيَّ قَدْ طُعِّمْتَ في مَوَاضِعِهَا، فَصِرْتَ شَريكًا في أَصْلِ الزَّيْتُونِ وَدَسَمِهِ،
18 فلا تَفْتَخِرْ عَلى الأَغْصَان. وَإِنِ ٱفْتَخَرْتَ فَلَسْتَ أَنْتَ تَحْمِلُ الأَصْلَ بَلِ الأَصْلُ يَحْمِلُكَ.
19 ولَعَلَّكَ تَقُول: إِنَّ تِلْكَ الأَغْصَانَ قَدْ قُطِعَتْ لأُطَعَّمَ أَنَا!
20 حَسَنًا تَقُول! هيَ قُطِعَتْ لِعَدَمِ إِيْمَانِهَا، وأَنْتَ بَاقٍ لإِيْمَانِكَ، فَلا تتَكَبَّرْ بَلْ خَفْ!
21 فإِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُبْقِ عَلى الأَغْصَانِ الأَصْلِيَّة، فَلَنْ يُبْقِيَ عَلَيْكَ أَيْضًا.
22 فَٱنْظُرْ إِلى لُطْفِ اللهِ وَقَسَاوَتِهِ: أَمَّا القَسَاوَةُ فَعَلَى الَّذينَ سَقَطُوا، وأَمَّا لُطْفُ اللهِ فَعَلَيْكَ أَنْتَ، إِنْ ثَبُتَّ في اللُّطْف، وإِلاَّ فَتُقْطَعُ أَنْتَ أَيْضًا.
23 وهُم أَيْضًا، إِذا لَمْ يَسْتَمِرُّوا في عَدَمِ الإِيْمَان، سَوْفَ يُطَعَّمُون، لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يَعُودَ فيُطَعِّمَهُم.
24 فإِنْ كُنْتَ قَدْ قُطِعْتَ مِنَ الزَّيْتُونَةِ البَرِّيَّةِ الَّتي أَنْتَ مِنْهَا بِحَسَبِ الطَّبِيعَة، وطُعِّمْتَ عَلى خِلافِ الطَّبيعَةِ في زَيْتُونَةٍ جَيِّدَة، فَكَم بِالأَحْرَى هؤُلاءِ الَّذينَ هُمْ أَغْصَانٌ أَصْلِيَّة، يُطَعَّمُونَ في زَيْتُونَتِهِمِ الخَاصَّة؟
25 لا أُرِيدُ، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا حُكَمَاءَ في عُيُونِ أَنْفُسِكُم، وهوَ أَنَّ التَّصَلُّبَ أَصَابَ قِسْمًا مِنْ بَني إِسْرَائِيل، إِلَى أَنْ يُؤْمِنَ الأُمَمُ بِأَكْمَلِهِم.

إنجيل القدّيس يوحنّا (12: 12-22)
12 لَمَّا سَمِعَ الجَمْعُ الكَثِير، الَّذي أَتَى إِلى العِيد، أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلى أُورَشَليم،
13 حَمَلُوا سَعَفَ النَّخْلِ، وخَرَجُوا إِلى مُلاقَاتِهِ وهُمْ يَصْرُخُون: «هُوشَعْنَا! مُبَارَكٌ الآتِي بِٱسْمِ الرَّبّ، مَلِكُ إِسرائِيل».
14 ووَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَرَكِبَ عَلَيْه، كَمَا هُوَ مَكْتُوب:
15 «لا تَخَافِي، يَا ٱبْنَةَ صِهْيُون، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي رَاكِبًا عَلى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَان».
16 ومَا فَهِمَ تَلامِيذُهُ ذلِكَ، أَوَّلَ الأَمْر، ولكِنَّهُم تَذَكَّرُوا، حِينَ مُجِّدَ يَسُوع، أَنَّ ذلِكَ كُتِبَ عَنْهُ، وأَنَّهُم صَنَعُوهُ لَهُ.
17 والجَمْعُ الَّذي كَانَ مَعَ يَسُوع، حِينَ دَعَا لَعَازَرَ مِنَ القَبْرِ وأَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، كَانَ يَشْهَدُ لَهُ.
18 مِنْ أَجْلِ هذَا أَيْضًا لاقَاهُ الجَمْع، لأَنَّهُم سَمِعُوا أَنَّهُ صَنَعَ تِلْكَ الآيَة.
19 فَقَالَ الفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُم لِبَعْض: «أُنْظُرُوا: إِنَّكُم لا تَنْفَعُونَ شَيْئًا! هَا هُوَ العَالَمُ قَدْ ذَهَبَ ورَاءَهُ!».
20 وكَانَ بَينَ الصَّاعِدِينَ لِيَسْجُدُوا في العِيد، بَعْضُ اليُونَانِيِّين.
21 فَدَنَا هؤُلاءِ مِنْ فِيلِبُّسَ الَّذي مِنْ بَيْتَ صَيْدَا الجَلِيل، وسَأَلُوهُ قَائِلين: «يَا سَيِّد، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوع».
22 فَجَاءَ فِيلِبُّسُ وقَالَ لأَنْدرَاوُس، وجَاءَ أَنْدرَاوُسُ وفِيلِبُّسُ وقَالا لِيَسُوع.

الموعظة

عبرنا آحاد الصوم، ووصلنا إلى أحد الشعانين، حسب تقويم الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وحسب تقاويم الكنائس التي تتبع التقويم الغربي. وهذه السنة، نعيش أحد الشعانين وأسبوع الآلام وحتى عيد القيامة المجيد، ونحن جالسون في بيوتنا، جراء الحجر المنزلي وحظر التجول، الذي فرضه علينا وباء كورونا COVID_19.

من المؤكد أننا متعبين في هذه المرحلة التي نمر بها اليوم، و لكن دائما يجب أن يكون لدينا رجاء و أمل، بأن الحياة أقوى من أي عقبة و أي موت، يمكن أن يواجهنا. لنتجاوز أي عقبة نمر بها علينا نحن كمسيحيين اليوم أن نتذكر دخول الرب يسوع إلى أورشليم و الحالة التي نحن بها اليوم تشبه الحالة التي كانت موجودة عند الشعب اليهودي بنظرته إلى المستقبل.

الحالة التي نحن فيها تدفعنا إلى أن نطلب مخلّص، يعمل على إعادة حياتنا، كما عهدناه من قبل. تماماً كحالة الشعب اليهودي، الذي كان تحت حكم الاستعمار الروماني، كان يطلب ملكاً، مخلّصاً، يُعيد إليه عصر الملوكية، ويتذكر الأيام الخوالي للملك داود. إنه يريد مخلّصاً وقد رأى أن صاحب معجزة إقامة لعازر من القبر،بعد أربعة أيام، هو المخلّص الذي أرسله الله، ليخلصه من ضيقات وحسرات حياته اليومية.

هتاف أوشعنا أو هوشعنا أو أوصنا، يعني فيما يعنيه، يا رب خلّص، يا رب أحسن إلينا، وقد ورد هذا الهتاف في سفر المزامير، المزمور 118. هذا الهتاف صرخت به الجموع التي استقبلت يسوع عند أبواب أورشليم. وهذا الاستقبال هو في إطار الاستقبالات المَلَكية التي كان الملوك يُكرمون بها. 

استقبلت الجموع يسوع كملك، وهذا الاستقبال فيه كثير من الالتباس، وهذا ما سنراه في الأيام التي ستلي هذا الحدث. فإن كان يسوع ملكاً، فمملكته ليست من هذا العالم، والإكليل الذي سيُكلل به، غير مرصع بالماس، إنما هو إكليل شوك. والصراخ الذي ارتفع يُهلل بقدوم الآتي باسم الرب، سيرتفع مجدداً ليُعلن الصليب، طريقة موت هذا الملك المزعوم.

لم يُحقق يسوع آمال هذا الشعب، لقد فشل في نظرهم، فقط لأنه لم يُحقق ما كانوا يريدونه.

وها نحن اليوم نصرخ أوشعنا، ونحتاج إلى مخلّص، ولكن فقط من أمراضنا، نريده جاهزاً ليمحو عنا كل تعب وألم. المشكلة ليست بأن يكون الله هو المخلص، لكن المشكلة هي فينا، كما كانت بالشعب اليهودي الذي يطلب خلاصه بأشياء تحقق له مصالحه. 

إننا نؤمن ونصلي، ولكن ليس عندنا قبولٌ للسير معه في الطريق، كذلك الشعب الذي، عندما لم يأخذ ما له، أعلن صلبه. 

أيَّ مخلِّص نريد نحن؟ والله من ماذا يريد أن يخلّصنا؟

إلى متى سنعيش بالأوهام الدينية؟ 

الخلاص الذي نريده نحن اليوم، هو أن نرجع إلى حياتنا اليومية ومطلبنا أن تتحقق العدالة، والله ليس ضد أن تتحقق العدالة، ولكن العدالة تعني أن نعيش المحبة على صورته، فنحن دوما نطلب من الله أن يكون صانع معجزات و أن يخلصنا من العوائق في حياتنا و لا نطلب منه الخلاص لنفوسنا مثل الشعب اليهودي الذي أراد أن يُرجع زمن مُلك داود، لأنه يعتقد أنه يكون مستقراً ويقدر أن يتحرر من المستعمر.

لقد رأوا أن يسوع هو المسيح المنتظر الذي يُحرر شعبه، وهو فعلاً كان محرراً و مخلّصاً، ولكن برؤية مختلفة عن رؤيتهم، فهو أراد أن يتحقق ملكوت السموات فينا، والإنسان يريد أن يحقق ملكوته الأرضي، وينشأ جيوش قوية، فاليوم الدول تتنافس بتطوير الأسلحة لقتل بعضها البعض، وتتنافس على من هو الأقوى الذي يسيطر على الآخر. 

أما يسوع فهو الملك السماوي الذي يريد أن يخلص كل إنسان، فهتاف هوشعنا، بقدر ما هو هتاف جميل، بقدر ما هو وهم..!! فإن هذا الهتاف سرعان ما سوف يزول، وهذا ما سوف نراه يوم جمعة الآلام جمعة موت يسوع. والشعب الذي صرخ "هوشعنا"، هو ذاته سيصرخ "اصلبه"، لأنه رأى يسوع قد فشل بتحقيق المُلك الذي كان يريده كشعب يهودي، ونحن اليوم نطلب من الرب يسوع أن يخلّصنا و يُحررنا من أوجاعنا و أتعابنا، وهذا جميل، ولكن ما هو الخلاص الحقيقي الذي يجب أن نتبناه؟

الخلاص الذي أراده يسوع هو تحرر الإنسان من قوقعته، أراده حرّاً ليستطيع أن يجد سبيلاً للمشاركة مع الآخرين، وأراده محرراً لأنه يجب على الإنسان أن يُحقق صورة الله فيه، وصورة الله هي محبة، أي خالية من الأنانية، وحرّة، فلذلك تستطيع أن تشارك الإنسان، هذه الصورة التي عليها يجب أن يكون الإنسان، وبنظرة خاطفة إلى عالم اليوم، نرى كل شيء، ماعدا، أن يكون الإنسان حراً.

الخلاص يعني أن أفرح، والفرح حتى يكون فرحاً يجب أن يكون فيه ألم، فنحن نبني ونتعب ونتألم حتى نصل إلى ما نطمح إليه، ونشعر بالفرح لوصولنا إلى مبتغانا، و يسوع أيضاً على الصليب كان يعيش الفرح بخلاص الإنسان. فالفرح ليس أن نضحك، بل أن نتبنى مشروع الله ونحافظ على العلاقة التي يريدها معنا.

هوشعنا لابن داود مبارك الآتي باسم الرب،  الرب الآتي لا يأتي مرة في السنة، ولا في الأعياد فقط، ولا وقت المرض فقط، بل يأتي إلينا دائماً و أبداً، في كل يوم و في كل لحظة وفي كل موقف، ولكننا مشغولون بأنفسنا وبفوضويتنا. 

وعلينا أن نعمل خلاصنا اليوم و ألا نسيئ فهم يسوع كما أساء الشعب اليهودي فهمه عندما أرادوه أن يكون ملكاً ومحرراً، فالله لا يعيش في الماضي، بل في الحاضر، ومعه نفتح آفاقاً للمستقبل، فعلينا ألا نحصر علاقتنا به فقط بخلاصنا من هذا الوباء أو تلك الحرب أو من مشاكلنا الأرضية. 

ومن الجميل أن نقف في هذا اليوم في أحد الشعانين في هذه الأيام الصعبة، التي نمر بها نسأل أنفسنا أين نحن من العدالة التي يريدها الله؟. أين نحن من خلاص يسوع؟ و أين نحن من هذا الحب الذي يريده؟.

دعونا نتعلم من يسوع بأن نحقق ملكوت السموات فينا، و ليس خارج عنا، فيسوع دخل اليوم إلى أورشليم، و كل المعاني الكتابية تقول أننا نحن مسكن الله، نحن أورشليم الجديدة، نحن هيكل الله، وندع يسوع يدخل إلى بيته و يلقى عرشه جاهزاً في قلوبنا.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.