أحد جليان يوسف 

حقيقة وموقف 

الرسالة إلى العبرانيّين (6: 9-20) 

يا إخوَتِي، إِنَّنَا وَاثِقُونَ مِن جِهَتِكُم، أَنَّكُم في حَالٍ أَفْضَلَ وأَضْمَنَ لِلخَلاص.

فإِنَّ اللهَ لَيْسَ بَظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُم، والمَحَبَّةَ التي أَظْهَرْتُمُوهَا مِن أَجْلِ ٱسْمِهِ، حِينَ خَدَمْتُمُ القِدِّيسِينَ ومَا زِلْتُم تَخْدُمُونَهُم.

ولكِنَّنَا نَوَدُّ أَنْ يُظْهِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُم هذَا الٱجْتِهَادَ عَيْنَهُ، لِكَي يُحَافِظَ حَتَّى النِّهَايَةِ على مِلْءِ يَقِينِ رَجَائِهِ.

وذلِكَ لِئَلاَّ تَصِيرُوا مُتَباطِئِين، بَلْ لِتَقْتَدُوا بِالَّذِينَ بإِيْمَانِهِم وَطُولِ أَنَاتِهِم، يَرِثُونَ الوُعُود.

فَلَمَّا وَعَدَ اللهُ إِبْرَاهِيم، ولَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْظَمُ مِنْ نَفْسِهِ لِيُقْسِمَ بِهِ، أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ

قائِلاً: «لأُبَارِكَنَّكَ بَرَكةً، وأُكَثِّرَنَّكَ تَكْثِيرًا».

وهكَذَا بِطُولِ أَنَاتِهِ، نَالَ إِبْراهِيمُ الوَعْد.

والنَّاسُ يُقْسِمُونَ بِمَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُم، والقَسَمُ يُثْبِتُ أَقْوالَهُم، ويَحْسِمُ كُلَّ خِلافٍ بَيْنَهُم.

كَذلِكَ الله، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ لِوَرَثَةِ الوَعْدِ ثَبَاتَ إِرادَتِهِ، تَعَهَّدَ لَهُم بِقَسَم،

لِيَكُونَ لَنَا، نَحْنُ المُلتَجِئِينَ إِلى التَّمَسُّكِ بِالرَّجَاءِ المُعَدِّ لَنَا، عَزَاءٌ قَوِيٌّ بِالوَعْدِ والقَسَم، وهُمَا أَمرَانِ ثَابِتَان، يَسْتحِيلُ أَنْ يَكذِبَ اللهُ فيهِمَا!

وهذَا الرَّجَاءُ هُوَ لَنَا مِرْسَاةٌ أَمِينَةٌ راسِخَة، تَلِجُ إِلى دَاخِلِ الحِجَاب،

إِلى حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ مِن أَجْلِنَا كَسَابِقٍ، فَصَارَ عَظِيمَ أَحْبَارٍ إِلى الأَبَد.


إنجيل القدّيس متّى (1: 18-25)

أَمَّا مِيلادُ يَسُوعَ المَسِيحِ فَكانَ هكَذَا: لَمَّا كانَتْ أُمُّهُ مَرْيَمُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُف، وقَبْلَ أَنْ يَسْكُنَا مَعًا، وُجِدَتْ حَامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس.

ولَمَّا كَانَ يُوسُفُ رَجُلُها بَارًّا، ولا يُرِيدُ أَنْ يُشَهِّرَ بِهَا، قَرَّرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا سِرًّا.

ومَا إِنْ فَكَّرَ في هذَا حَتَّى تَرَاءَى لَهُ مَلاكُ الرَّبِّ في الحُلْمِ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ بنَ دَاوُد، لا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتَكَ، فَٱلمَوْلُودُ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس.

وسَوْفَ تَلِدُ ٱبْنًا، فَسَمِّهِ يَسُوع، لأَنَّهُ هُوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُم».

وحَدَثَ هذَا كُلُّهُ لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ الرَّبُّ بِالنَّبِيّ:

هَا إِنَّ العَذْرَاءَ تَحْمِلُ وتَلِدُ ٱبْنًا، ويُدْعَى ٱسْمُهُ عِمَّانُوئِيل، أَي ٱللهُ مَعَنَا.

ولَمَّا قَامَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْم، فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاكُ الرَّبِّ وأَخَذَ ٱمْرَأَتَهُ.

ولَمْ يَعْرِفْهَا، فَوَلَدَتِ ٱبْنًا، وسَمَّاهُ يَسُوع.

الموعظة

في هذا الأحد نرى التقاءً بين موقف مريم تجاه ما عرضه الملاك المُرسل من قبل الله، وبين موقف يوسُف خطيبها، وثق يوسف ملء الثقة بالله، لهذا وثق كل الثقة بمريم في الساعات الصعبة، في ساعات تمزَّق فيها قلبُه البشري. فالحلم الذي يتحدّث عنه متّى لم يكن حلماً عادياً. بل كان خبرة حميمة تعرّف فيها يوسف إلى تدخّل الله. وهنا التقى موقفه مع موقف مريم أمام المهمّة السريّة التي عُرضت عليها. حدّثها المرسل الإلهي، فأجابت بكلمات شفّافة: "ها أنا خادمة للربّ، فليكن لي بحسب قولك".

لا يكفي أن نؤمن بالله ونثق به ونحن لا نثق ببعضنا، فثقة يوسف البار بمريم جديرة بكل احترام، ومن الصعب جداً على الرجل أن يكتشف أمراً يخص امرأته، ويتناقض هذا الأمر مع العادات والتقاليد والأعراف، ويبقى صامتاً أو أن يتخذ موقفاً إيجابياً، وبالفعل يحتاج الأمر إلى تخطي كبير للذات، الأمر الذي يُتيح للآخر أن يشرح وجهة نظره.

وهنا لا يخبرنا القديس متى في مقدمته اللاهوتية عن الحوار الذي دار بين مريم ويوسف وما هي وجهات النظر التي طُرحت أمام هذا الواقع الجديد، وإنما يكتفي بعرض موقف كل منهما، ويُرينا أن موقفهما يتناسب وإرادة الله، وهذا المطلوب، أن تعطى الأولوية لإرادة الله قبل إرادة الإنسان.

نكتشف في موقف يوسف ومريم تجاه نداء الله، استمرارية المسيرة الآبائية، التي تجلّى عمل الله فيها، وعلى وجه لا شك فيه، نكتشف الأمانة رغم كل التعتيم الذي كان يُحيط بحدث تدخل الله في حياة يوسف ومريم. هلاّ تعلّمنا مثل يوسف ومريم أن الإيمان والأمانة والرجاء تمرّ هي أيضاً عبر صمتنا أمام الله؟

عندما نتحدث عن جليان يوسف البار، فإننا نتحدث عن كشف لحقيقة معينة، هي في الغالب، تدعو لاتخاذ موقف، فمعرفة الحقيقة تستدعي ترك الماضي وتبني مسيرة جديدة، وكلما اكتشفنا الحقيقة أكثر، كلما تغيّر سلوكنا، فلا يجب أن نعرف الحقيقة ونظل كما في السابق، بل علينا أن نتبنى معطيات هذه الحقيقة لكي يكون لصداها معنى في حياتنا.

نتعلم في هذا الأحد من القديس يوسف البتول، كيف نؤمن ونتغير ونتأقلم بحسب معايير الله، فهو قد احترم مقاصد الله الخفية، ولم يُعر اهتماماً للعواقب التي ستطاله هو ومريم، فمع الله لا مكان للسكينة والركود، بل حركة دائمة واتجاهات مختلفة، ولكنها كلها تصب في تحقيق الهدف الأسمى، وهو تحقيق إرادة الله.

في أحداث زمن المجيء كلها: بشارة زكريا بحبل أليصابات، وبشارة مريم بالحبل بيسوع، وزيارة مريم لنسيبتها، وولادة يوحنا المعمدان وهنا في جليان يوسف..، نرى المطابقة بين إرادة الله وإرادة البشر، بالوقت الذي كان فيه الإنسان يحيا لأجل ذاته، فهم هذا الأخير أن يعيش لأجل آخر، وكما أعطى الله ذاته للإنسان، هكذا في مسيرة زمن المجيء، نرى الإنسان يهب ذاته لله ويقول نعم.

فليكن لنا نصيب في الأمانة لله، لنتغير بحسب معايير الله لا العالم، لنفهم ماهية علاقتنا به، ونعمل معه، لنحقق فينا ملكوته العتيد، آمين.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.