رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل تسالونيقي (2: 13-20، 3: 1-5) يا إخوَتِي، نَحْنُ أَيضًا نَشكُرُ اللهَ بغيرِ ٱنْقِطَاع، لأَنَّكُم لَمَّا تَلَقَّيْتُم كَلِمَةَ الله الَّتي سَمِعْتُمُوهَا مِنَّا، قَبِلْتُمُوهَا لا بِأَنَّهَا كَلِمَةُ بَشَر، بَلْ بِأَنَّهَا حَقًّا كَلِمَةُ الله. وإِنَّهَا لَفَاعِلَةٌ فيكُم، أَيُّهَا المُؤْمِنُون. فأَنْتُم، أَيُّهَا الإِخْوَة، قَدِ ٱقْتَدَيْتُم بِكَنَائِسِ اللهِ في المَسِيحِ يَسُوع، الَّتي هِيَ في اليَهُودِيَّة، لأَنَّكُمُ ٱحْتَمَلْتُم أَنْتُم أَيْضًا مِنْ بَنِي أُمَّتِكُم، ما ٱحْتَمَلُوهُ هُم مِنَ اليَهُود، الَّذِينَ قَتَلُوا الرَّبَّ يَسُوع، والأَنْبِيَاء، وٱضْطَهَدُونَا نَحْنُ أَيْضًا، وهُم لا يُرْضُونَ الله، ويُعادُونَ كُلَّ النَّاس، ويَمْنَعُونَنَا مِنْ أَنْ نُكَلِّمَ الأُمَمَ فَيَنَالُوا الخَلاص، وبِذلِكَ يُطَفِّحُونَ على الدَّوامِ كَيْلَ آثَامِهِم. لَقَدْ حَلَّ الغَضَبُ عَلَيْهِم إِلى النِّهَايَة. أَمَّا نَحْنُ، أَيُّهَا الإِخْوَة، فَمَا إِنْ تَيَتَّمْنَا مِنْكُم مُدَّةَ سَاعَة، بِالوَجْهِ لا بِالقَلْب، حَتَّى بَذَلْنَا جَهْدًا شَدِيدًا، وَبِشَوقٍ كَبير، لِنَرى وَجْهَكُم. لِذلِكَ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ إِلَيكُم، أَنَا بُولُسَ على الأَخَصّ، مرَّةً وَٱثْنَتَيْن، ولكِنْ عَاقَنَا الشَّيْطَان. فَمَا هوَ رَجَاؤُنَا أَو فَرَحُنَا أَو إِكْليلُ فَخْرِنَا، في حَضْرَةِ رَبِّنَا يَسُوع، عِنْدَ مَجِيئِهِ، أَفَلَسْتُم أَنْتُم أَيْضًا؟ بَلَى! أَنْتُم مَجْدُنَا وفَخْرُنَا. لِذلِكَ، لَمَّا لَمْ نَعُدْ نُطِيقُ ٱلٱنْتِظَار، إِرْتَضَيْنَا أَنْ نَبْقى وَحْدَنَا في أَثينَا، وأَرْسَلْنَا إِلَيْكُم طِيمُوتَاوُس، أَخانَا، ومُعَاوِنَ اللهِ في إِنْجِيلِ الْمَسِيح، لِيُثَبِّتَكُم في إِيْمَانِكُم ويَعِظَكُم، فلا يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ في هذِهِ الضِّيقَات، وأَنْتُم أَنْفُسُكُم تَعْلَمُونَ أَنَّنَا جُعِلْنَا لِذلِكَ. ولَمَّا كُنَّا عِنْدَكُم، كُنَّا نُنْبِئُكُم أَنَّنَا سَنُعَاني الضِّيقات، وهذَا مَا حَدَث، كَمَا تَعْلَمُون. لِذلِكَ، أَنا أَيضًا، إِذْ لَمْ أَعُدْ أُطِيقُ ٱلٱنْتِظَار، أَرْسَلْتُ أَسْتَخْبِرُ عَنْ إِيْمَانِكُم، لِئَلاَّ يَكُونَ المُجَرِّبُ قَدْ جَرَّبَكُم، ويَذْهَبَ تَعَبُنَا بَاطِلاً. إنجيل القدّيس لوقا (11: 33-41) قالَ الربُّ يَسوعُ: «لا أَحَدَ يَشْعَلُ سِرَاجًا، وَيَضَعُهُ في مَكانٍ مَخْفِيّ، وَلا تَحْتَ المِكْيَال، بَلْ عَلَى المنَارَة، لِيَرَى الدَّاخِلُونَ النُّور. سِرَاجُ الجَسَدِ هُوَ العَين. عِنْدَمَا تَكُونُ عَيْنُكَ سَلِيمَة، يَكُونُ جَسَدُكَ أَيْضًا كُلُّهُ نَيِّرًا. وَإِنْ كَانَتْ سَقِيمَة، فَجَسَدُكَ أَيْضًا يَكُونُ مُظْلِمًا. تَنَبَّهْ إِذًا لِئَلاَّ يَكُونَ النُّورُ الَّذي فِيكَ ظَلامًا. إِذاً، إِنْ كانَ جَسَدُكَ كَلُّهُ نَيِّرًا، وَلَيْسَ فِيهِ جِزْءٌ مُظْلِم، يِكُونُ كُلُّهُ نَيِّرًا، كَمَا لَوْ أَنَّ السِّراجَ بِضَوئِهِ يُنيرُ لَكَ». وَفيمَا هُوَ يَتَكَلَّم، سَأَلَهُ فَرِّيسيٌّ أَنْ يَتَغَدَّى عِنْدَهُ. فَدَخَلَ وَٱتَّكأ. وَرَأَى الفَرِّيسِيُّ أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَغْتَسِلْ قَبْلَ الغَدَاء، فَتَعَجَّب. فَقَالَ لَهُ الرَّبّ: «أَنْتُمُ الآن، أيُّها الفَرِّيسِيُّون، تُطَهِّرُونَ خَارِجَ الكَأْسِ وَالوِعَاء، ودَاخِلُكُم مَمْلُوءٌ نَهْبًا وَشَرًّا. أَيُّها الجُهَّال، أَلَيْسَ الَّذي صَنَعَ الخَارِجَ قَدْ صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيْضًا؟ أَلا تَصَدَّقُوا بِمَا في دَاخِلِ الكَأْسِ وَالوِعَاء، فَيَكُونَ لَكُم كُلُّ شَيءٍ طَاهِرًا. الموعظة إن علاقات الناس ببعضهم البعض مبنية على ضوابط أخلاقية من مرجعية دينية، فالشرائع الدينية متأصلة في الوجدان البشري، غير أن ما ينقصها هو رؤية الإنسان كإنسان، لا ما يجب عليه أن يكون الإنسان فقط. قد تقضي الشريعة الدينية بأن تحكم على من يشرب الخمر بالسجن أو بالنبذ من المجتمع، أو على السارق بقطع يده، وعلى القاتل بقتله، وعلى الزاني برجمه، وكل من يخالف الشريعة هو منبوذ من الله ومن المجتمع البشري، وقد تقضي الشريعة الدينية بأن تحكم الناس بسلوكياتهم اليومية وحتى بطريقة نظرتهم لبعضهم البعض. فالمرأة عورة إن لم تغطي شعر رأسها، والرجل عورة إذا غطّى رأسه، لن أستفيض في جلب الأمثلة، والمطلوب أن نحدد النظرة، أو الوجهة، وإلا وقعت في نفس الفخ وهو أن أرى ما هو عيب وحرام ومخالف و أشيح بنظري عمّ هو صائب وملائم، وما هو ضروري، أي أن أرى الإنسان كإنسان فقط. لم يغسل يسوع يديه قبل تناوله الطعام، ليس لأن غسل اليدين خطأ قبل الطعام، ولكن ليعطي مفهوماً آخر للطهارة. فقد كان ذاك الفريسي الذي دعاه إلى المأدبة يحاول أن ينصب له فخاً ليقول عنه أنه يخالف التقاليد والأعراف والشريعة، أما يسوع فيكشف حقيقة الأمر ويردّ على السلوك الفريسي الذي يُعنى بتطهير الخارج فقط دون الداخل. إن تطبيق الشريعة لمجرد أنها تحت وصاية دينية، وإن كان هدفها (إرضاء) الله، قد تمنع الإنسان من أن يرى الله بوضوح ويفهم ماهيته، وما أوضح مثال الفريسيين على ذلك، فهم لم يروا ما يراه الله، وإنما رأوا ما يريدون هم من الله، وهذا ما من شأنه أن يُبعد الإنسان عن العلاقة السليمة مع الله ومع الآخرين. ما أصعب أن نرى الحقيقة وهي تتخفّى تحت مكيال الشريعة. الشريعة قد تفسح مجالاً للتلاعب في ما بين الناس، وبالمقابل، يُجدد الإيمان النظرة إلى الإنسان، ويحوّل نظرة الإنسان إلى الآخر وينظفها؛ الإيمان يجعل العين سليمة ومعافاة من كل شائبة وخاصة من الأنا، وذلك من خلال تبني نظرة الله إلى الإنسان، هذه النظرة التي كل هدفها هو الإنسان، فلا يمكننا أن نتبنى نظرة الله من دون الإنسان، فهمّ الله (إن صح التعبير) هو الإنسان. في آخر نص إنجيل اليوم يقول يسوع: " أَلا تَصَدَّقُوا بِمَا في دَاخِلِ الكَأْسِ وَالوِعَاء، فَيَكُونَ لَكُم كُلُّ شَيءٍ طَاهِرًا."، وفعل الصدقة يعني فيما يعنيه، الخروج من الذات والتوجه نحو الآخر، فلكي يكون كل شيء طاهراً، على الإنسان أن يخرج من الأنا، من مركزية الذات، إلى الآخر، الذي يجب أن يكون الهدف وهو المحور بنفس الوقت. غاية الله هي الإنسان، وغاية الإنسان هي الله، مروراً بعلاقة الإنسان مع أخيه الإنسان، من هنا أتت فكرة أن نرى الله في وجه كل إنسان، وأنا أضيف، بأنْ يجب أن أعمل على خروجي من (أناي) لكي يرى الآخر الله فيّ، وهذه بالضبط ما تعنيه الرسالة المسيحية، التي تجعل من المؤمن والله واحداً، لا في الجوهر، وإنما في النظرة والهدف. العين السليمة - البسيطة، ترى النور = الله، وتجعل مسلك الإنسان يتماهى مع دور الله. وأما العين السقيمة - الغير بسيطة، والتي تحمل تعقيداً (التقاليد والشرائع والأعراف...)، لا تبصر سوى الظلمة، وهي غير قادرة على تخطي الأنا، وتعمل على انسداد كل الأبواب في وجه خير الإنسان الأسمى. أتسائل إن لم يرى الناس النور في يسوع المسيح فبمن يروه؟ ربما لأن النور يكشف الحقيقة ولا نريد أن نتعرى أمام ذواتنا لأن الأنا تتأذى، وينسحب غطاء الزيف عنها. وإن لم يكن يسوع المسيح هو آية (علامة حضور أو أعجوبة) الله الحقيقية فمن يكون أو ماذا تكون؟ يأتي الجواب هنا في (لو 11: 33) على أن النور الموضوع على المنارة هو الرب يسوع المسيح،والإنسان الذي عينه بسيطة، يفهم نداءه، وينفتح على هذا النداء بقلب سخي فيجد النور. أما الإنسان الذي عينه شريرة، فيحسب ألف حساب وينغلق على النور، هذه هي حالة الفريسيين الذين اعتبروا بفتاويهم أنهم يستطيعون أن يضعوا حدوداً لحقوق الله، وأن يحتفظوا بشيء من ذاتهم لذاتهم. الله قد خلّص الإنسان دون أن يلغي مسؤوليته، ويقع على عاتق الإنسان أن يختار بين الخير والشر، النور والظلمة، الباب الضيق والباب الواسع، أن يبقى مع الله أو يصير ضده..؛ وأمام هذه المسؤولية على الإنسان المؤمن بالله أن يعيش، في حياته اليومية، كتلميذ مستنير قَبِلَ النور ووضعه في قلبه كسراج حامل للنور، فمن يحفظ كلمة الله ويعمل بها تستضيء حياته كلها ويصبح شاهداً للكلمة - يسوع المسيح الإنسان الكامل. يجدر بنا مقاومة كل ظلمة، تماماً كما نفعل لكي لا نؤذي أنفسنا ولا ندع أي ضرر يصيبها، فإن كان العلم نور والجهل ظلام، فكم بالحري الله النور الحقيقي المنير كل إنسان. بنورك نرى النور يا يسوع النور، أنت النورُ الحقُّ المنيرُ البرايا، بنورك أنرنا وفي صبحكَ أَبهجنا. هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.الأحد الخامس عشر بعد العنصرة
الإنسان غاية الله
أَيها القدوسُ الحالُ في ديار النور، أبعدْ منا ميل الشر والفكر الغرورْ، وامنحنا القلبَ النقي حتى نعمل عمل خلاصنا، آمين.