سلامٌ في الضيق

"1 حِينَئِذٍ خَاطَبَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَتَلاَمِيذَهُ2 قَائِلاً:«عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ،3 فَكُلُّ مَاقَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ.4فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ، وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ،5 وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ: فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ،6وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَىفِي الْمَجَامِعِ،7 وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي!"(متى 23: 1-7).


"24 أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِالْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ.25 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً.26أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا.27 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ.28 هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا:مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا، وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا.29 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ،30 وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ.31 فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ.32 فَامْلأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ.33 أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟34 لِذلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ،35 لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ.36اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هذَا الْجِيلِ!37«يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! 38هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا.39 لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ:إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!"

1d7f7abc18fcb43975065399b0d1e48e.jpg

تعريف التعصب: هو الثبات على قيم معينة، مع عجزٍ في المنطق،وتغييب دور العقل في تحليل واستنتاج ما يصبّ في البعد الإنساني، وعدم تقبل الحقيقة المغايرة، خوفاً من فقدان الارتباط بأمر ما، إما دين وإما شريعة أو حتى أي فكرة تُشعر الشخص بالاطمئنان.

تدين ولا تدين: 

التطرف الديني هو منظومة من الأقوال والأفعال والأحوال المُحدَثة بفعل اعتقادات وقناعات وقيم مدمجة في عقل المتطرف، تَسِمُ شخصيته بسمات منحرفة فكرا وسلوكا، وتجعلها مضطربة وجدانا، عبر تربية الوسطاء والوكلاء الدينيين الذين يتولون التنشئة والبرمجة والإيحاء الديني، حتى يصبح الفرد المستهدف مدمنا على عقار التطرف، فلا يستطيع التخلص منه بتلك البساطة التي يمكن أن نتصورها.

وغالباً ما يظهر التعصب في أبهى حلة له في مجال الدين، فالمتدين بمواجهة اللّامُتدَين، والعكس صحيح، يشكل التطرف اللاديني عاملا مهما في إذكاء التطرف الديني، إذ يعتبر المتدينون أن خطر التطرف اللاديني يجب أن يواجه بالتشدد والتمسك بتعاليم الدين حرفيا.

تعصب أم ثبات:

في حديثه عن الضيقات التي ستلحق بالمؤمنين به، ختم يسوع كلامه لتلاميذه في (يوحنا 16: 33) بهذا: " قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ ". 

إن النهج الذي قدمه يسوع للعالم، لم يسبق له مثيل، فقد كوّن حياةً قائمة على الحق، لذا فإن الارتباط بالله لا يقوم على بعض التصرفات أو الممارسات التقوية، فلم يُعلم يسوع تلاميذه كيف يُصلِّبون أو يسجدون أو يُشعلون الشموع.. إلخ، بل صبّ اهتمامه على العلاقة الحميمية مع الله كأب للإنسان، وهذا يفرض ابتعاداً عن كل ما من شأنه أن يكون ممارسات ظاهرية-خارجية، تضع الإنسان بعلاقة ضيقة جداً مع الله وأخيه الإنسان.

وبما أن الحق هو معيار، ترتكز عليه جميع الأمور، فإن الثبات في الحق هو المطلوب وليس التعصب الأعمى لما هو مكتوب؛ الغريب في كلام يسوع في الإصحاح 16 من انجيل يوحنا، أنه تكلم مع تلاميذه عن أنواع الاضطهادات والضيقات التي سيتعرضون لها بسبب إيمانهم، وفي آخر الأمر يقول لهم:" قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. "،وكأنه بهذا يرسم خطة السلام، التي تناقض، إلى حدٍ كبير، مفهوم السلام عند العالم الذي هو راحة واطمئنان، فالسلام بالحقيقة هو صراع لإحقاق الحق، وعليه فكل من يتبنى هذا الحق ويعيشه، يدخل في هذا الصراع، وبالتالي يكون له سلام، إذا ثبت فيه.

قيل إن فنانًا أراد أن يقدم لوحة عن السلام فاختار يومًا عاصفًا جدًا وصوَّر صخرة عظيمة تخبطها الأمواج من كل جانب، وقد ظهرت في اللوحة سفينة حطمتها الأمواج وجثث بعض المسافرين تطفو على المياه وسط دوامات الأمواج. في وسط هذه الصخرة أقامت حمامة عشًا في فجوة صغيرة، وقد رقدت مطمئنة جدًا، وسجل الفنان كلمة"سلام" على الصخرة تحت الفجوة مباشرة. هكذا سلامنا هو في المسيح يسوع صخر الدهور. فيه نستقر ونستريح وسط كل دوامات الحياة وتجاربها.

لقد غلب يسوع وانتصر، بعد ألم وموت، وليس بعد راحة وفرح، وهذا من شأنه أن يعني لنا الكثير، إذ علينا أن نؤمن بأن الذي غلب، غلب لإجلنا، فإننا لسنا مائتين بسبب صراعنا مع الموت، بل نحيا، رغم الموت، بربنا يسوع المسيح.

التصق يا إنسان بالله، هذا الذي خلقك إنسانًا. التصق به جدًا، ضع ثقتكفيه.

الصلاة:
يا أيها الفرح الأبدي، هب لي أن أستريح فيك،فأجد سلاماً، لا يقدر العالم أن ينزعه مني، هب لي غلبةً، أنتصر بها على ضعفي وقلة إيماني بك، فأجد فرحاً وتهليلاً بحضورك، فأنت سلامي وفرحي، وبك ومعك أسبّح أبيك الأزلي وروحِك الحي القدوس، إلى أبد الآبدين، آمين.