القيامة ليست إبهار 

الأحد الثاني بعد القيامة 

رسالة القدّيس بولس إلى أهل رومة (7: 25. 8: 1-11) 

فَٱلشُّكْرُ للهِ بِيَسُوعَ المَسِيحِ رَبِّنَا! فأَنَا إِذًا بِالعَقْلِ عَبْدٌ لِشَرِيعَةِ الله، وَبِكَوْني إِنْسَانًا جَسَدِيًّا عَبْدٌ لِشَرِيعَةِ الخَطِيئَة!

إِذًا فلاَ حُكْمَ بِالْهَلاكِ بَعْدَ الآنَ على الَّذينَ هُم في المَسِيحِ يَسُوع؛

لأَنَّ شَرِيعَةَ رُوحِ الحيَاةِ في المَسِيحِ يَسُوع، قَدْ حَرَّرَتْني مِنْ شَريعَةِ الخَطِيئَةِ والمَوت.

فإِنَّ مَا عَجِزَتْ عَنْهُ الشَّرِيعَة، وقَد أَضْعَفَهَا الجَسَد، أَنْجَزَهُ الله، حينَ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ في جَسَدٍ يُشْبِهُ جَسَدَ الخَطِيئَة، تَكْفيرًا لِلخَطِيئَة، فقَضَى في الجَسَدِ عَلى الخَطِيئَة،

لِكَي يَتِمَّ بِرُّ الشَّرِيعَةِ فينَا، نَحْنُ السَّالِكينَ لا بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الجَسَدِيِّ بَلْ بِحَسَبِ الرُّوح؛

لأَنَّ السَّالِكِينَ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الجَسَدِيّ، يَرْغَبُونَ في مَا هُوَ لِلجَسَد، والسَّالِكينَ بِحَسَبِ الرُّوحِ يَرْغَبُونَ في مَا هُوَ لِلرُّوح.

فرَغْبَةُ الجَسَدِ مَوْت، أَمَّا رَغْبَةُ الرُّوحِ فَحَيَاةٌ وَسَلام.

لِذلِكَ فَرَغْبَةُ الإِنْسَانِ الجَسَدِيِّ عَدَاوَةٌ لله، لأَنَّهَا لا تَخْضَعُ لِشَريعَةِ اللهِ ولا تَسْتَطيعُ ذلِكَ.

وإِنَّ السَّالِكينَ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الجَسَدِيّ، لا يَسْتَطيعُونَ أَنْ يُرْضُوا الله.

أَمَّا أَنْتُم فَلَسْتُم أُنَاسًا جَسَدِييِّنَ بَلْ رُوحِيُّون، إِنْ كَانَ حقًّا رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فيكُم. وَلكِنْ مَنْ لَيْسَ لَهُ رُوحُ المَسِيح، لَيْسَ هُوَ لِلمَسِيح.

أَمَّا إِذَا كَانَ المَسِيحُ فيكُم، فَبِرَغْمِ أَنَّ الجَسَدَ مَيْتٌ بِسَبَبِ الخَطِيئَة، فَٱلرُّوحُ حيَاةٌ لَكُم بِفَضْلِ البِرّ.

وإِذَا كَانَ رُوحُ اللهِ الَّذي أَقَامَ يَسُوعَ مِنْ بَينِ الأَمْواتِ سَاكِنًا فيكُم، فالَّذي أَقَامَ المَسِيحَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ يُحْيي أَيْضًا أَجْسَادَكُمُ المَائِتَةَ بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُم.


إنجيل القدّيس يوحنّا (21: 1-14)

بَعْدَ ذلِك، ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ مَرَّةً أُخْرَى عَلى بُحَيْرَةِ طَبَرَيَّة، وهكَذَا ظَهَر:

كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُس، وتُومَا المُلَقَّبُ بِٱلتَّوْأَم، ونَتَنَائِيلُ الَّذي مِنْ قَانَا الجَلِيل، وٱبْنَا زَبَدَى، وتِلْمِيذَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلامِيذِ يَسُوع، مُجْتَمِعِينَ مَعًا.

قَالَ لَهُم سِمْعَانُ بُطْرُس: «أَنَا ذَاهِبٌ أَصْطَادُ سَمَكًا». قَالُوا لَهُ: «ونَحْنُ أَيْضًا نَأْتِي مَعَكَ». فَخَرَجُوا وَرَكِبُوا السَّفِينَة، فَمَا أَصَابُوا في تِلْكَ اللَّيْلَةِ شَيْئًا.

ولَمَّا طَلَعَ الفَجْر، وَقَفَ يَسُوعُ عَلى الشَّاطِئ، ولكِنَّ التَّلامِيذَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ يَسُوع.

فَقَالَ لَهُم يَسُوع: «يَا فِتْيَان، أَمَا عِنْدَكُم قَلِيلٌ مِنَ السَّمَك؟». أَجَابُوه: «لا!».

فَقَالَ لَهُم: «أَلْقُوا الشَّبَكةَ إِلى يَمِينِ السَّفِينَةِ تَجِدُوا». وأَلقَوْهَا، فَمَا قَدِرُوا عَلى ٱجْتِذَابِهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَك.

فَقَالَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُس: «إِنَّهُ الرَّبّ». فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبّ، إِتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا، وأَلْقَى بِنَفْسِهِ في البُحَيْرَة.

أَمَّا التَّلامِيذُ الآخَرُونَ فَجَاؤُوا بِٱلسَّفِينَة، وهُمْ يَسْحَبُونَ الشَّبَكَةَ المَمْلُوءَةَ سَمَكًا، ومَا كَانُوا بَعِيدِينَ عَنِ البَرِّ إِلاَّ نَحْوَ مِئَتَي ذِرَاع.

ولَمَّا نَزَلُوا إِلى البَرّ، رَأَوا جَمْرًا، وسَمَكًا عَلى الجَمْر، وخُبْزًا.

قَالَ لَهُم يَسُوع: «هَاتُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذي أَصَبْتُمُوهُ الآن».

فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ إِلى السَّفِينَة، وجَذَبَ الشَّبَكَةَ إِلى البَرّ، وهِيَ مَمْلُوءَةٌ سَمَكًا كَبِيرًا، مِئَةً وثَلاثًا وخَمْسِين. ومَعَ هذِهِ الكَثْرَةِ لَمْ تَتَمَزَّقِ الشَّبَكَة.

قَالَ لَهُم يَسُوع: «هَلُمُّوا تَغَدَّوا». ولَمْ يَجْرُؤْ أَحَدٌ مِنَ التَّلامِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: «مَنْ أَنْت؟»، لأَنَّهُم عَلِمُوا أَنَّهُ الرَّبّ.

وتَقَدَّمَ يَسُوعُ وأَخَذَ الخُبْزَ ونَاوَلَهُم. ثُمَّ فَعَلَ كَذلِكَ بِٱلسَّمَك.

هذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ فيهَا يَسُوعُ لِلتَّلامِيذِ بَعْدَ أَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات.

الموعظة

نتعلم في هذا الأحد الثاني بعد القيامة، أن الله بعيدٌ عن كل استعراض من شأنه أن يُبهر الإنسان. على شاكلة كل الترائيات التي ظهر فيها يسوع بعد قيامته من بين الأموات، لم يراه التلاميذ كما كانوا يتوقعون، وربما هذا ما يُفسّر لنا هذا الظهور الباهت لدرجة العادي البسيط ليسوع في كل ظهوراته.

لعلهم لم يتعلموا الدرس، لا في أيام إيليا النبي ولا ما بعده. لم يتكلم الله مع إيليا النبي لا في الريح ولا في الزلزلة ولا في النار، بل من خلال نسيم الهواء العليل البسيط، الذي لا نُعيره أيّ أهمية (سفر الملوك الأول 19: 11-13).  فالإنسان يبحث عن التوهّج والمُخيف وعن كل ما يتصوره هو عن الله، ودائماً يظهر الله بطرقٍ مغايرة لتصورات الإنسان، ولكن ليست بعيدة عن حياته ونشاطه الإنساني.

لا يهم الله أن يُثبت للإنسان أنه هو الله، وبما أنه محبة، فهو يكشف للإنسان ذاته ويلمس حياته بطريقة سهلة وبسيطة بعيدة عن التصورات الخيالية والإبهار، ولا بد من الإشارة إلى كل تلك الظهورات أو العلامات التي تطلّ علينا من كل حدبٍ وصوب، كأن يظهر الصليب في السماء أو العذراء بين الغيوم، أو على جبين بعض الناس، أو على الزجاج .. إلخ، كل تلك العلامات أو الترائيات، لا معنى لها إن لم تحوّل نشاط الإنسان إلى نشاط أكثر إنسانية وأكثر قرباً من حقيقة جوهر وماهية عمل الإنسان المدعو إلى التأليه

إنجيل اليوم يوضح عودة بعض التلاميذ، وهم الأكثر حضوراً في رسالة يسوع، إلى نشاطهم البشري السابق، قبل معرفتهم بيسوع، ويُبيّن لنا أن أهمية الاستمرار في التحوّل، إذ أن يسوع أعادهم في الذاكرة لبداية مشواره معهم، وكيف دعاهم ليكونوا صيادي ناس. فبعد كل ما حدث، اعتبر التلاميذ أنهم أمام فشل ذريع طال ثلاث سنوات من حياتهم، إذ إن معلمهم (صانع المعجزات والواعظ المتجول)، قد خيّب آمالهم التي بنوها على تصوراتهم اللاواقعية، ويمكن القول، على رغباتهم وأهوائهم ومطامعهم، فهم كانوا يحسبون أن يسوع معلمهم هو الملك العتيد المزمع أن يحقق لهم التحرر والملوكية في آن معاً، وإذ به يحررهم من نشاطٍ بشري لا معنى له، إلى نشاط بشري له بُعد إنساني أصيل يصل بهم إلى التقديس (الألوهة)

نحن وإن كنا في صدد الحديث عن قيامة الرب يسوع من الموت، إلاّ أننا يجب أن نرى أن القيامة هنا هي للتلاميذ. وفي الحقيقة لا أعرف إلى أي مدى يمكن تقبّل قيامة الرب يسوع دون مفعولها في التلاميذ، أو إلى أي مدى نفهم أن قيامة الرب يسوع هي قيامتنا. ونستطيع القول بأن القيامة الحقيقية كانت لهؤلاء التلاميذ ومنهم وبهم صارت القيامة لكل إنسان. فالتحوّل في حياتهم قاد الكنيسة وثبتها على أساس إيمانهم، وفعلت القيامة فعلها فيهم عندما أدركوا أهمية عدم الانطواء على ذواتهم، بل وأكثر من ذلك، عندما أدركوا المهمة الموكلة لهم.

لقد تحوّلت الأيدي الفارغة إلى ممتلئة، وبطرس الذي غرق في بحر نكرانه لمعلمه حتى انسكبت المياه من عينه عندما بكى بكاءً مراً، قفز وأتى إليه مسرعاً ولم ينتظر أن ترسو السفينة عند الشاطئ، وسيقول له أنت تعلم أني أحبك. 

تحوّلت أنظارهم إلى شخص هو المعلم، كان قبل قليل مجهول-غريب يطلب طعاماً، وها هو يناديهم ليقدم لهم الطعام، وهذا العمل نسميه عمل الإفخارستيا، فالله يقدم ما عنده ويطلب أن نقدم ما عندنا، لتصبح العلاقة بين الله والإنسان هي علاقة مشاركة، يعمل كل شخص بهذه العلاقة لأجل الآخر وفي سبيل الأخر.

إننا اليوم وفي كل يوم نحتفل فيه بسر القربان المقدس، نحوّل نشاطنا البشري العادي إلى نشاط إلهي، ولكن على يد الرب يسوع المسيح، وهذا التحوّل هو قيامتنا.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.