حسب قلب الرب 

الأحد الخامس بعد الصليب 

رسالة القدّيس بولس إلى أهل أفسس (3: 13 - 21) 

لِذَلِكَ أَسْأَلُكُم أَنْ لا تَضْعُفَ عَزِيْمَتُكُم بِسَبَبِ الضِّيقَاتِ الَّتي أُعَانِيهَا مِنْ أَجْلِكُم: إِنَّهَا مَجْدٌ لَكُم!

فَلِذَلِكَ أَجْثُو على رُكْبَتَيَّ لِلآب،

الَّذي مِنهُ تُسَمَّى كُلُّ أُبُوَّةٍ في السَّمَاوَاتِ وعَلى الأَرْض.

لِكَي يُعْطِيَكُم بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ أَنْ تَشْتَدُّوا بِرُوحِهِ، لِيَقْوى فِيكُمُ الإِنِسَانُ الدَّاخِلِيّ،

فَيَسْكُنَ المَسِيحُ بِالإِيْمَانِ في قُلُوبِكُم، وتَكُونُوا في المَحَبَّةِ مُتَأَصِّلِينَ ومُؤَسَّسِين،

لِكَي تَقْدِرُوا أَنْ تُدْرِكُوا معَ جَمِيعِ القِدِّيسِينَ ما العَرْضُ والطُّولُ والعُلْوُ والعُمْق،

وأَنْ تَعْرِفُوا مَحَبَّةَ المَسِيحِ الَّتي تَفُوقُ المَعْرِفَة، لِكَي تَمْتَلِئُوا حَتَّى مِلْءِ اللهِ كُلِّهِ.

واللهُ القَادِرُ أَنْ يَعْمَلَ وَفْقَ قُدْرَتِهِ العَامِلَةِ فينَا مَا يَفُوقُ كُلَّ شَيء، أَكْثَرَ وأَبْعَدَ مِمَّا نَسْأَلُ أَو نَتَصَوَّر،

لَهُ المَجْدُ في الكَنِيسَةِ وفي المَسِيحِ يَسُوعَ إِلى جَمِيعِ أَجيَالِ دَهْرِ الدُّهُور. آمين.

إنجيل القدّيس لوقا (6: 43 - 49)

مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا فَاسِدًا، وَلا شَجَرَةٍ فَاسِدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا.

فَكُلُّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَلا يُجْنَى مِنَ الشَّوْكِ تِين، وَلا يُقْطَفُ مِنَ العُلَّيقِ عِنَب.

أَلإنْسَانُ الصَّالِحُ يُطْلِعُ الصَّلاحَ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِح. والإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ يُطْلِعُ الشَّرَّ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّير، لأَنَّهُ مِنْ فَيْضِ قَلْبِهِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ.

وَلِماذا تَدْعُونَنِي: يا رَبّ، يا رَبّ! وَلا تَعْمَلُونَ بِمَا أَقُول؟

كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِليَّ، وَيَسْمَعُ أَقْوَالِي، وَيَعْمَلُ بِها، فَأَنَا أُبَيِّنُ لَكُم مَنْ يُشْبِه.

يُشْبِهُ رَجُلاً بَنَى بَيْتًا، فَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلى الصَّخْرَة، وَلَمَّا فَاضَ السَّيْل، وَصَدَمَ النَّهْرُ ذلِكَ البَيْت، لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لأَنَّهُ رَاسِخُ البِنَاء.

أَمَّا مَنْ سَمِعَ، وَلَمْ يَعْمَلْ، فيُشْبِهُ رَجُلاً بَنَى بَيْتًا عَلى التُّرَاب، دونَ أَسَاس، وَصَدَمَهُ النَّهْرُ فٱنْهَارَ حَالاً، وكانَ خَرَابُ ذلِكَ البَيْتِ عَظِيمًا.

الموعظة

السلطة تعمي الذي يمارسها، إنْ لم يستمد سلطته من الله، الذي هو محبة. وعلى المؤمن أن يبني حياته حسب قلب الرب.

إنجيل اليوم صارخ في وجه الفريسيين، وفي وجه كهنة الشعب، ومن ثم التلاميذ الذين سيُشكلون فيما بعد كنيسة العهد الجديد، أي بصريح العبارة، إنجيل اليوم صارخ بوجهنا نحن.

السلطة الروحية هي من أشدّ السلطات خطراً، ومن أهم السلطات القادرة على توجيه حياة الإنسان بالكامل، وتغيير سلوكه. 

الفريسيون والكتبة أشجار جيدة بالأصل، إلّا أنّ السلطة غيّرت هدفهم، فصارت الشريعة أهم من كلمة الله، وأهم من الإنسان، فأصبحوا شجرة فاسدة تُثمر ثمراً فاسداً، وهذا لا يجوز، لذلك قال الرب يسوع: " مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا فَاسِدًا، وَلا شَجَرَةٍ فَاسِدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا. فَكُلُّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَلا يُجْنَى مِنَ الشَّوْكِ تِين، وَلا يُقْطَفُ مِنَ العُلَّيقِ عِنَب "، الخطر يقوم بأن نطلب من الآخرين ما لا نعمله نحن. ويشكل مثل الشجرة والثمار تحذيراً من الخبث والرياء. فأعمالنا تحكم علينا وتكشف أعماق قلوبنا.

ورؤساء الجماعات المسيحية، المطلوب منهم البحث عن الضال، ونشر الحقيقة الإلهية، أصبحوا بحاجة إلى عودة صالحة إلى الإيمان الحقيقي، ويحثهم القديس بولس برسالته إلى أهل أفسس أن يسكن المسيح في قلوبهم بالإيمان، ويكونوا في المحبة متأصلين ومُؤَسَّسِين ويقول: "لكي تقدروا أن تَعْرِفُوا مَحَبَّةَ المَسِيحِ الَّتي تَفُوقُ المَعْرِفَة، لِكَي تَمْتَلِئُوا حَتَّى مِلْءِ اللهِ كُلِّهِ". ونحن أيضاً يطالنا التحذير والتعليم، فمهما كان موقعنا في الكنيسة، علينا أن نكون تلاميذ الرب. كلمته هي المرجع الذي يدين كلاً منا ويكشف كل خبث ورياء. 

تُعرف الشجرة من ثمارها. وعلينا أن نكون أغصاناً ثابتة في الكرمة (يو 15: 4). إذا انفصلت كلمتنا عن المسيح خسرت كل أساس لها: "من أقام فيّ وأقمت فيه يحمل ثماراً كثيرة، لأنكم بدوني لا تستطيعون شيئاً" (يو 15: 5).

التلاميذ الحقيقيّون يثمرون ثمرًا صالحًا، ثمر كلمة معلّمهم. والتلاميذ الأردياء لا يثمرون إلاَّ ثمرًا رديئًا. إن أعمالهم هي التي تكشف صفاتهم العميقة وتتيح للناس أن يحكموا عليهم، ويقدّم القديس لوقا مثلاً ينطبق على المبدأ العامّ: لا يُجنى من الشوك تين، لا يقطف من العُلَّيق عنب. والشجرة الصالحة هي الرجل الصالح الذي يعمل الخير، لأنه يستخرجه من أعمق أعماقه، من قلبه (حرفيا: من كنز قلبه). والشجرة الرديئة تكون عكس ذلك. 

الثمار هي أقوال الإنسان، هذا هو المعنى الحرفي للآية: "أَنَّهُ مِنْ فَيْضِ قَلْبِهِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ" (الأقوال التي تفيض من القلب)، ولكننا نستطيع أن نقول أن الثمارُ هي أعمال التلميذ. فالأعمال قبل الأقوال. ومهما يكن من أمر فالدرس واضح: من أراد أن يكون تلميذًا صالحًا، عليه ان يُثمر ثمرًا جيّدًا، أن يعملِ أعمالاً صالحة. وإذا أردنا أن نصل إلى هذه الغاية، يجب أن يكون قلبنا صالحاً. هذا نداء إلى توبة عميقة تظهر في الحياة الملموسة.

نحن اليوم تلاميذ الرب يسوع، المنتمون إلى رسالة الكنيسة المؤسسة على صخر الإيمان بيسوع المسيح، فلا يُمكن أن نحيد عن هذه الحقيقة، والمطلوب هو إتمام الرسالة.

لا نستطيع أن نُثمر ثمراً جيداً إلّا من خلال حفظ كلمة الله والعمل بموجبها، ووحدهم اللامنطقيين يحفظون كلمة الله ويعلنون أن المسيح هو الرب، دون أن يعملوا بما يقوله لهم.

مسيرتنا عليها أن تطابق ما نؤمن به، وأعمالنا تدل على عمل الله فينا، وأقوالنا هي كلمة حق نقولها بوجه كل باطل، فلا يمكن أن نحمل ذاك التناقض ولا ذاك الرياء، الذي يجعلنا نكذب على أنفسنا، ونُكّذب كلمة الله، ونغش العالم. علينا أن نكون أبناء النور، على صورته. شفّافين، صادقين وصريحين، منفتحين لكي نقبل الآخرين. 

علينا أن نكون أناساً يُنيرهم الإنجيل. فكل كلمة خرجت من فمه، ما زالت تؤثّر فينا اليوم بقوة، وتكشف حقيقته العميقة لنا كابنِ الله.

همّ يسوع هو إتمام مشيئة أبيه والعودة إليه. ونحن نستطيع أن نقول: إن الآب هو قلب يسوع ومحوره الذي تنبع منه كل أعماله. لقد قدّم نفسه على أنه فم الآب، كلمة الآب الحيّة. وأكّد أنه لم يقل شيئاً إلا ما سمعه من أبيه. والنور الذي أرسله، والعين التي تضيء كل إنسان، هي روحه. ومن خلال هذه الرموز البسيطة التي هي القلب والفم والعين، نجد رسمة لهذا السرّ العجيب الذي هو سرّ الثالوث الأقدس.

نحن مدعوّون، على خطى معلّمنا يسوع المسيح، أن نترك روحه يحوّل قلوبنا وعيوننا وأفواهنا، فليس التلميذ أفضل من معلمه، ولنترك روحه الذي يقودنا إلى الآب، يعمل بأقوالنا.

كم نحن بحاجة إلى روح الحب والحق، لنستطيع أن نحمل ثمراً حسب قلب الرب، فأعط يا رب حضور حبك بأقوالنا وأفعالنا، فنفهم رسالتنا المنوطة بنا لنحملها إلى كل إنسان أحبه قلبك، آمين.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.