الشفاء من آخر 

الأحد الرابع من الصوم 

شفاء عبد قائد المئة 

رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل تسالونيقي (5: 12-28) 

يا إخوَتِي، نَسْأَلُكُم أَنْ تُكْرِمُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُم، ويَرْئِسُونَكُم في الرَّبّ، وَيَنْصَحُونَكُم،

وأَنْ تَحْتَرِمُوهُم بِمَحَبَّةٍ أَعْظَمَ ٱحْتِرَام، كَرَامَةً لِعَمَلِهِم. كُونُوا مُسَالِمِينَ بَعْضُكُم بَعْضًا.

ونُنَاشِدُكُم، أَيُّهَا الإِخْوَة: إِنْصَحُوا المُقْلِقِين، شَجِّعُوا الخَائِفِين، أَسْنِدُوا الضُّعَفَاء، وتَأَنَّوا معَ الجَمِيع.

إِحْذَرُوا أَنْ تُبَادِلُوا شَرًّا بِشَرّ، بَلِ ٱتَّبِعُوا الْخَيرَ دائِمًا بَعْضُكُم لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيع.

إِفْرَحُوا على الدَّوَام. صَلُّوا بِغَيْرِ ٱنْقِطَاع.

أُشْكُرُوا في كُلِّ شَيء. فَهذِهِ مَشِيئَةُ اللهِ إِلَيْكُم في المَسِيحِ يَسُوع.

لا تُطْفِئُوا الرُّوح. لا تَحْتَقِرُوا النُّبُوءَات.

بَلِ ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيء، وتَمَسَّكُوا بِمَا هُوَ حَسَن. إِمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ.

لِيُقَدِّسْكُم إِلهُ السَّلامِ نَفْسُهُ تَقْدِيسًا تَامًّا، وَيَحْفَظْ رُوحَكُم ونَفْسَكُم وجَسَدَكُم حِفْظًا كَامِلاً، بِغَيرِ لَوْم، عِنْدَ مَجيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيح!

أَمِينٌ هُوَ الَّذي دَعَاكُم، وهُوَ الَّذي سَيَعْمَل.

صَلُّوا أَيْضًا مِنْ أَجْلِنَا، أَيُّهَا الإِخْوَة. سَلِّمُوا عَلى جَمِيعِ الإِخْوَةِ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَة.

أَسْتَحْلِفُكُم بِالرَّبّ: فَلْتُقْرَأْ هذِهِ الرِّسَالَةُ عَلى جَمِيعِ الإِخْوَة. نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ مَعَكُم! ‍‍

إنجيل القدّيس لوقا (7: 1-10)

بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ يَسوعُ كَلامَهُ كُلَّهُ عَلى مَسَامِعِ الشَّعْب، دَخَلَ كَفَرنَاحُوم.

وكَانَ لِقائِدِ مِئَةٍ خَادِمٌ بِهِ سُوء، وقَدْ أَشْرَفَ عَلى المَوت، وكَانَ عَزيزًا عَلَيه.

وَسَمِعَ بِيَسوعَ فَأَرْسَلَ إِلَيهِ بَعْضَ شَيُوخِ اليَهُود، يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ ويُنقِذَ خَادِمَهُ.

فَأَقْبَلُوا إِلى يَسُوع، وأَلَحُّوا يَتَوسَّلُونَ إِلَيهِ قَائِلين: «إنَّهُ مُسْتَحِقٌّ أَنْ تَصْنَعَ لَهُ هذَا،

لأَنَّهُ يُحِبُّ أُمَّتنَا، وَقَد بَنَى لَنَا المَجْمَع».

فَمَضَى يَسُوعُ مَعَهُم. ومَا إنْ صَارَ غَيرَ بَعِيدٍ عَنِ البَيْت، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيهِ قَائِدُ المِئَةِ بَعْضَ أَصْدقَائِهِ، يَقولُ لَهُ: «يا رَبّ، لا تُزعِجْ نَفْسَكَ، لأَنِّي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفي.

لِذلِكَ لَمْ أَحسَبْ نَفْسي مُسْتَحِقًّا أَنْ آتِيَ إِلَيْك، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيُشْفَى فَتَاي.

فَإنِّي أَنا أَيْضًا رَجُلٌ خَاضِعٌ لِسُلْطان، وَلِي جُنُودٌ تَحْتَ إِمْرَتي، فَأَقولُ لِهذَا: ٱذْهَب! فَيَذْهَبْ، وَلآخَرَ: ٱئْتِ! فَيَأْتي، وَلِخَادِمِي: ٱفْعَلْ هذَا! فَيَفْعَل».

وَلَمَّا سَمِعَ يَسوعُ أُعْجِبَ بِه، وٱلتَفَتَ إِلى الجَمْعِ الَّذي يَتْبَعُهُ فَقاَل: «أَقولُ لَكُم: لَمْ أَجِدْ مِثْلَ هذَا الإِيْمَانِ حَتَّى في إِسْرائِيل».

وَعَاد المُرْسَلُونَ إِلى البَيْت، فَوَجَدُوا الخَادِمَ مُعَافَى.

الموعظة

في إنجيل اليوم وهو الأحد الرابع من الصوم، نرى شفاء عبد قائد المئة، وقائد المئة هذا كان ضابطاً على مثال (رئيس مخفر) في كفرناحوم حيث كان يسوع ماراً ليُعلن بشارة ملكوت السموات. ويتبيّن لنا أنّ الوثنيين لن يكونوا بعيدين عن ميراث ملكوت السموات، أو ما يحق للشعب اليهودي صار يحق أيضاً للشعب الوثني، فالكل بيسوع المسيح أصبحوا واحداً.

قَلِق الضابط، على غلامه المُشرف على الموت، ففكّر بالمعجزات التي صنعها يسوع في كفرناحوم وفي كل المِنطَقة. فَهَمَّ بأن يطلب من المعلّم أن يأتي وينتزع غلامه من الموت، ولأنه ظنّ أنّ على يسوع أن يأتي قرب المريض لكي يشفيه، كما فعل حتى الآن، إلا أنه أحسّ بما في طلبه من مخاطرة، لأن اليهوديّ لا يدخل إلى بيت وثنيّ. فلم يتجرّأ أن يأتي شخصيًّا إلى يسوع. فاعتبر أنه من الأفضل أن يرسل إليه طلبه بواسطة وفد من القرية: "فَأَرْسَلَ إِلَيهِ بَعْضَ شَيُوخِ اليَهُود".

أمام موقف الضابط المتأكّد من قدرة كلمة يسوع، رأى يسوع إيمانًا حقيقيًّا. فالتفت إلى جميع اليهود الذين يتبعونه، وقابل إيمان الوثنيّ بالإِيمان الذي وجده حتى الآن: لم يجد مثل هذا الإِيمان العميق حتى في إسرائيل. انتظرنا هنا جوابًا من يسوع على الطلب الذي وجّه إليه، لأن أخبار المعجزات تتضمّن عادة "كلمة شفاء"، ولكن هنا، لا الضابط هو هنا ولا غلامُه ليتلقّيا جوابَ يسوع المعلم. ومع عودة المرسَلين (الموفَدين) الذين هم ولا شكّ أصدقاء الضابط، لا الشيوخ، الغلام استعاد الصحّة.

المميز في خبر شفاء غلام أو عبد قائد المئة ليس الشفاء بحد ذاته، ليست المعجزة في حد ذاتها، إنما الإيمان العميق الذي عبّر عنه قائد المئة نفسه، إيمان ضابطٍ وثني.

وهنا تقع المفارقة، حيث لم يستطع (أهل الإيمان)، أو الذين يعتبرون أنفسهم مرتبطون بالله، على شفاء الغلام، يأتي شخص وثني (غريبٌ عن الإيمان)، لا يعرف الله كما يعرفه اليهود، وعِبر إيمانه ينال غلامه الشفاء. هذه هي مشكلتنا نحن اليوم، إذ إننا نربط معرفة الله فينا، نتقوقع حول أنفسنا، فلا نحن دخلنا ولا ندع أحداً يدخل.

نرى دائماً هذا الموقف في الإنجيل، ينال أحدهم الشفاء بفضل إيمان أحدٍ آخر، كما رأينا في خبر شفاء المخلّع المحمول من أربعة أشخاص، وكيف نال المخلّع الشفاء عندما رأى يسوع إيمان الأربعة، وأيضاً نرى هذا في شفاء ابنة المرأة الكنعانية، وهنا نال الغلام الشفاء من آخر، من إيمان قائده.

ما يُحرك الإيمان هو الحب، الحبّ هو الذي يدفع الإيمان للتحرك نحو الواقع. أكان هذا الواقع مرضاً أم مشكلة مستعصية، أم أيّ تضييق على الحياة البشرية.. من هنا نعرف صحة الإيمان، إن كان لدينا حبٌّ كبير.

ونستطيع هنا طرح السؤال التالي: هل نحن السبب في شفاء بعضنا البعض، أم أننا السبب في مرض بعضنا؟

في هذه الأيام نواجه مرض كورونا المستجد الذي أصبح وباءً اجتاح العالم كله، وهذا الوباء ينتشر بالعدوى، وبالتالي قد نكون سبباً في مرض بعضنا البعض أكثر من أن نكون سبباً للشفاء، وطبعاً هذا على المستوى الجسدي، وأخذ الحيطة واجب لا بد منه، ويجب مقاومته بكثير من التكاتف والتعاضد، وطبعاً هذا يحتاج إلى المحبة. وله ما يماثله، وبرأيي هذا وباء مستفحل أكثر من أي وباء آخر، وهو وباء الخطيئة، أو بقول وتعبير أصح، وباء اللّاحبّ، ولأن هذا الوباء منتشر منذ القِدم، فهو مستفحل ولا علاج له إلّا الحبّ نفسه.

من هنا، إنْ كنا نهتم لكي لا نصاب بالعدوى بمرض كورونا أو غيره، فبالأحرى ألا نصاب بعدوى الّلاحبّ. لذلك نرى القديس بولس اليوم برسالته الأولى إلى أهل تسالونيقي يناشد الكنيسة بقوله: "إِنْصَحُوا المُقْلِقِين، شَجِّعُوا الخَائِفِين، أَسْنِدُوا الضُّعَفَاء، وتَأَنَّوا معَ الجَمِيع. إِحْذَرُوا أَنْ تُبَادِلُوا شَرًّا بِشَرّ، بَلِ ٱتَّبِعُوا الْخَيرَ دائِمًا بَعْضُكُم لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيع. إِفْرَحُوا على الدَّوَام. صَلُّوا بِغَيْرِ ٱنْقِطَاع. أُشْكُرُوا في كُلِّ شَيء. فَهذِهِ مَشِيئَةُ اللهِ إِلَيْكُم في المَسِيحِ يَسُوع. لا تُطْفِئُوا الرُّوح. لا تَحْتَقِرُوا النُّبُوءَات. بَلِ ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيء، وتَمَسَّكُوا بِمَا هُوَ حَسَن. إِمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ.". ويتلخص كلامه بأن نصنع الخير بعضنا لبعض وللجميع، وصنع الخير غير ممكن إن لم يكن هناك حبّ.

إذاً أحبتي، لنتمسك بالحبّ القادر أن يمنح إيماننا قوة، لتخطي كل عقبة تحول دون التمتع بالحياة، فلا نمنع أيضاً الحياة عن أحد، مهما يكن. ولنكن سبب شفاء مَن حولنا، لا سبب موته. 

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.