مقابل الموت إنه القيامة

الأحد الخامس من الصوم 

إقامة ابن أرملة نائين  

رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل قورنتس (3: 10-23) 
يا إِخوَتِي، أَنَا بِنِعْمَةِ ٱللهِ الَّتي وُهِبَتْ لي، وَضَعْتُ الأَسَاسَ كَبَنَّاءٍ حَكِيم، لكِنَّ آخَرَ يَبْنِي عَلَيْه: فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْه!
فَمَا مِنْ أَحَدٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ ٱلأَسَاسِ ٱلمَوْضُوع، وهُوَ يَسُوعُ المَسِيح.
فَإِنْ بَنَى أَحَدٌ عَلى هذَا الأَسَاسِ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً، أَوْ حِجَارَةً كَرِيْمَةً، أَوْ خَشَبًا، أَوْ تِبْنًا، أَوْ قَشًّا،
فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَكُونُ ظَاهِرًا، وَيَوْمُ الرَّبِّ سَيُبَيِّنُهُ، لأَنَّ يَومَ الرَّبِّ سَيُعْلَنُ بِالنَّار، والنَّارُ سَتَمْتَحِنُ مَا قِيمَةُ عَمَلِ كُلِّ وَاحِد.
فَمَنْ يَبْنِي، ويَبْقَى عَمَلُهُ الَّذي بَنَاه، يَنَالُ أَجْرَهُ.
ومَنِ ٱحْتَرَقَ عَمَلُهُ يَخْسَرُ أَجْرَهُ، أَمَّا هُوَ فَيَخْلُص، ولكِنْ كَمَنْ يَمُرُّ في النَّار.
أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُم هَيْكَلُ ٱلله، وَأَنَّ رُوحَ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُم؟
فَمَنْ يَهْدُمُ هَيْكَلَ اللهِ يَهْدُمُهُ الله، لأَنَّ هَيْكَلَ ٱللهِ مُقَدَّس، وهُوَ أَنْتُم!
فَلا يَخْدَعَنَّ أَحَدٌ نَفْسَهُ! إِنْ ظَنَّ أَحَدٌ بَيْنَكُم أَنَّهُ حَكِيمٌ بِحِكْمَةِ هذَا الدَّهْر، فَلْيَصِرْ أَحْمَقَ لِيَصِيرَ حَكِيمًا!
لأَنَّ حِكْمَةَ هذَا العَالَمِ حَمَاقَةٌ عِنْدَ الله، فإِنَّهُ مَكْتُوب: «أَلرَّبُّ يَأْخُذُ الحُكَمَاءَ بِمَكْرِهِم»،
وَمَكْتُوبٌ أَيْضًا: «أَلرَّبُّ يَعْلَمُ أَفْكَارَ الحُكَمَاءِ إِنَّهَا بَاطِلَة».
إِذًا فَلا يَفْتَخِرَنَّ أَحَدٌ بِأَيِّ إِنْسَان، لأَنَّ كُلَّ شَيءٍ هُوَ لَكُم،
أَكَانَ بُولُس، أَمْ أَبُلُّوس، أَمْ كِيفَا، أَمِ العَالَم، أَمِ الحَيَاة، أَمِ المَوْت، أَمِ الحَاضِر، أَمِ المُسْتَقْبَل: كُلُّ شَيءٍ هُوَ لَكُم،
أَمَّا أَنْتُم فَلِلْمَسِيح، والمَسِيحُ لله!

إنجيل القدّيس لوقا (7: 11-18)
ذَهَبَ يَسُوعُ إِلى مَدينَةٍ تُدْعَى نَائِين، وَذَهَبَ مَعَهُ تَلاميذُهُ وَجَمْعٌ كَثِير.
وٱقْتَرَبَ مِنْ بَابِ المَدِينَة، فإِذَا مَيْتٌ مَحْمُول، وَهوَ ٱبْنٌ وَحِيدٌ لأُمِّهِ الَّتِي كانَتْ أَرْمَلَة، وَكانَ مَعَها جَمْعٌ كَبيرٌ مِنَ المَدِينَة.
وَرَآها الرَّبُّ فَتَحَنَّنَ عَلَيها، وَقَالَ لَهَا: «لا تَبْكِي!».
ثُمَّ دَنَا وَلَمَسَ النَّعْش، فَوَقَفَ حَامِلُوه، فَقَال: «أَيُّهَا الشَّاب، لَكَ أَقُولُ: قُمْ!».
فَجَلَسَ المَيْتُ وَبَدَأَ يَتَكَلَّم، فَسَلَّمَهُ يَسُوعُ إِلى أُمِّهِ.
وٱسْتَولى الخَوفُ عَلَى الجَميع، فَأَخَذُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيَقولون: «لَقَد قَامَ فِينا نَبِيٌّ عَظِيم، وَتَفَقَّدَ اللهُ شَعْبَهُ!».
وَذَاعَتْ هذِهِ الكَلِمَةُ عَنْهُ في اليَهُودِيَّةِ كُلِّهَا، وفي كُلِّ الجِوَار.
وَأَخْبَرَ تَلامِيذُ يُوحَنَّا مُعَلِّمَهُم بِكُلِّ ذلِكَ، فَدَعَا يُوحَنَّا ٱثنَينِ مِنْ تَلامِيذِهِ.

الموعظة

يَشُقّ علينا في هذه الأيام ألّا نكون مجتمعين تحت سقف كنيستنا الحبيبة، بسبب الحجر الصحي، الضروري واللازم، لمنع تفشي وباء كورونا المستجد (COVID_19)، الذي أصاب العالم بأسره، ونأمل أن تنتهي هذا المأساة ونحن جميعاً بأتمّ الصحة والعافية.

كل بيت هو كنيسة، وكل مخدع هو مناسب لحضور الله، والإنسان بحدِ ذاته هو هيكل الله، كما قال القديس بولس اليوم في رسالته.

علينا ألّا ننخدع، ولا أن نُسلّم بعواطفنا، فالإيمان يبدأ من كل واحد منا، وما اجتماعنا سوية في مكانٍ معين، إلّا ذاك التعبير عن وحدة الإيمان بالله وابنه يسوع المسيح، فنقبل الروح القدس، لنعيش الشراكة الحقة بعضنا مع بعض.

افتحوا قلوبكم، افتحوا عقولكم، ترون أنّ الله ساكنٌ فيكم، لا في مكانٍ آخر.

 الكنيسة اليوم لا تعيش في أزمة، بل تساهم في حل أزمة العالم بأسره، وكونها جزءً لا يتجزأ منه، فهي تعمل بكامل قوتها، لتقي العالم من الضياع، والانهيار، محافظةً بذلك على الإنسان، الذي من أجله مات المسيح.

بما أننا كنيسة حية علينا أن نُكمل المسيرة، حتى ولو لم نألف ما نحن عليه، وحتى ولو أن الظروف الحالية تمنعنا مما اعتدنا عليه. ولا ضير في ذلك، فكسر العادات مهم جداً، لإعادة النظر عن كثب في ماهية حياتنا.

ها نحن في الأحد الخامس من الصوم، وفيه نُسلّط الضوء على إحياء ابن أرملة نائين، فهل من مقاربة بين مشهد الجنازة هذا ومشهد حياتنا اليوم؟

الوضع الحالي يُشبه إلى حد كبير، خبر إحياء ابن أرملة نائين.!! العالم يسير في موكب جنائزي، يحاول أن يدفن الموتى، كموكب جنازة ابن الأرملة، يسير إلى خارج المدينة، حيث الميت يوارى الثرى، وبالمقابل نرى موكب يحتفل بالانتصار على الموت، إنه موكب يسوع ومن معه، الذين شهدوا على شفاء عبد قائد المئة. (راجع موعظة موكب جنازة العالم)

عالم اليوم يخاف الموت، ويحاول بشتى الطرق أن يصل لعلاج ينهي هذه المعضلة، وما هذه المحاولات إلّا محاولات تأجيلٍ للموت، أما الموت الحقيقي، الموت الإنساني العميق، النفسي والروحي، فلا يأخذ أية محاولة لإنقاذه.

 إنْ أمعنّا النظر في خبر إحياء ابن الأرملة، وقارنا بينه وبين ما حدث ليسوع، سنرى الآتي:

إحياء ابن الأرملة

موت قيامة يسوع

الأم أرملة
مريم - الأم أرملة
ابن الأرملة وحيد لأمه
يسوع - ابن الأرملة وحيد لأمه
ابن الأرملة يموت
يسوع - ابن الأرملة يموت
الجمهور موكبين متناقضين يحملان معنى الموت والحياة
الجمهور موكبين متناقضين يحملان معنى الموت والحياة
يسوع يُقيم إبن الأرملة من الموت
يسوع ابن الأرملة قام من الموت
الجمهور يمجد الله (لَقَد قَامَ فِينا نَبِيٌّ عَظِيم، وَتَفَقَّدَ اللهُ شَعْبَهُ!)
الجمهور يمجد الله (حقاً كان هذا ابن الله)

تُمثل الأرملة، حسب الكتاب المقدس، كل الشعب، فهي تفقد زوجها، كما يفقد الشعب الإيمان بالله، وبالتالي الأرملة لها ابن وحيد وهو يُمثل نفسها، فما إن يفقد الإنسان الله تموت نفسه.

المشهد هو عن حياة الإنسان ككل، وبما أن يسوع أخذ الإنسان على عاتقه، اتحد به، وشابهه في كل شيء ما عدا الخطيئة، أي ما عدا أن الإنسان انفصل عن الله، فيسوع الذي يموت عن كل إنسان، أعطى الحياة لكل إنسان، أعاد الحياة للنفس البشرية، من خلال إعادة العلاقة مع الله.

مشكلتنا اليوم أننا نخاف فقط على أجسادنا من الموت، دون أن ننتبه للموت الفعلي في نفوسنا. 

نحن نؤمن بأن يسوع المسيح أعطى الحياة للإنسان، ولا يكتفي يسوع بشفاء الجسد دونما النفس، بل الإنسان كله، فلا نطلب أن تُشفى أجسادنا ونحن سالكون في الخطيئة. من محبته، سيشفي الرب كل شيء فينا، لكن علينا تقع مهمة استقبال الله كمصدر للحياة الحقيقية، حتى وإن متنا تكون لنا الحياة في الله. 

يؤسفني جداً أن بعض الناس يُحمّلون الله مسؤولية ما يجري، فهناك أقوال تخرج من فم الكثيرين ومن الإكليروس أيضاً ويا للأسف، مثل (الله سمح بهذه التجربة، أو هذا عقاب من الله ..) أو غيره من الكلمات التي تُعبّر عن عدم فهم حقيقي لله، وخاصةً أننا نؤمن بأن الله محبة.

نحن لسنا لعبة بيد أحد ولا حتى الله تبارك اسمه، ليَمتَحِنَنا بالتجارب، فالله معنا وليس علينا، ولا يمكن أن يكون معنا وعلينا بنفس الوقت. فإن كان هو المُمرض فكيف يكون هو نفسه الشافي؟، الله لا يُجرِّبنا .. وأيضا لا يَمتَحِننا. على الإنسان الذي تمتحنه الحياة بكل ظروفها أن يَثبُت في الله، والله هو المُعين له في امتحانه هذا.. لذلك لا يُمكن أن يكون الله هو الداء والدواء بنفس الوقت. إنّ الله أعطى الحياة للناس بموت ابنه يسوع وقيامته، فلا يمكننا أن نتهم الله بأن الموت أو المرض يأتيان منه.

يسوع يكشف بشكل كامل، بأن الله هو إله الحياة. مقابل الخطيئة يسوع هو الغفران. ومقابل الموت إنه القيامة

نص الإنجيل يقول لنا بأن الناس مجدوا الله، أي اعترفوا به أنه هو إله الحياة؛ 

والخوف الذي يتحدث عنه النص ليس الخوف من الله وكأنه هو من يريد الموت للإنسان، بل بأننا لسنا مخلوقين من أجل الموت، هذا ما أعطى الرجاء للإنسان. 

يقول النص بأنه على كلمة يسوع وقف حاملو النعش، ممّا يعني أن الطريق باتجاه القبر لم يعد ممكناً؛ فالذين يسيرون نحو إلغاء الحياة، تَجَمَدوا، أصبحوا بلا حراك. ويسلّم يسوع الشاب إلى أمّه.

هكذا أرجع يسوع الموكب الجنائزي من خارج المدينة إلى داخلها، ليُعلن الانتصار الكبير على الموت بالحياة، وهنا علينا أن نُقرر، أنبقى خارجاً؟ أم علينا أن نسير في موكب الحياة هذا؟ على عاتقنا تقع مهمة اتخاذ القرار، والله سيستقبل كل الذين مات ابنه من أجلهم.

هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.