المحبة أقوى من الحياة 

أحد القيامة 2020 

رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل قورنتس (15: 1-19. 29-33) 
يا إخوَتِي، أُذَكِّرُكُم بِالإِنْجِيلِ الَّذي بَشَّرْتَكُم بِهِ، وَقَبِلْتُمُوه، ومَا زِلْتُم فِيهِ ثَابِتِين،
وبِهِ أَيْضًا أَنْتُم تَخْلُصُون، إِذَا بَقِيتُم مُتَمَسِّكِينَ بِالكَلِمَةِ الَّتي بَشَّرْتُكُم بِهَا، إِلاَّ إِذَا كُنْتُم قَدْ آمَنْتُم بَاطِلاً!
فإِنِّي قَدْ سَلَّمْتُ إِلَيْكُم أَوَّلاً مَا أَنَا تَسَلَّمْتُهُ، وهوَ أَنَّ المَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا، كَما جَاءَ في الكُتُب؛
وأَنَّهُ قُبِر؛ وأَنَّهُ أُقِيمَ في اليَوْمِ الثَّالِث، كَمَا جَاءَ في الكُتُب؛
وأَنَّهُ ظَهَرَ لِكِيفَا، ثُمَّ لِلٱثْنَيْ عَشَر.
وبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ مِئَةِ أَخٍ مَعًا، وأَكْثَرُهُم بَاقٍ حَتَّى الآن، وبَعْضُهُم رَقَدُوا.
بَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوب، ثُمَّ لِجَمِيعِ الرُّسُل.
وآخِرَ الجَمِيعِ ظَهَرَ لي أَيْضًا أَنَا السِّقْطُ!
فإِنِّي أَنَا أَصْغَرُ الرُّسُل، ولَسْتُ أَهْلاً أَنْ أُدْعَى رَسُولاً، لأَنِّي ٱضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ الله،
لكِنِّي بِنِعْمَةِ اللهِ صِرْتُ مَا أَنَا عَلَيْه، وَنِعْمَتُهُ عَلَيَّ لَمْ تَكُنْ بَاطِلَة، بَلْ تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِهِم، لا أَنَا بَلْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتي هِيَ مَعِي.
أَكُنْتُ أَنَا أَمْ كَانُوا هُم، فَهكَذَا نُبَشِّرُ وهكَذَا آمَنْتُم.
إِنْ كَانَ المَسِيحُ يُبَشَّرُ بِهِ أَنَّهُ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْضٌ مِنْكُم أَنْ لا قِيَامَةَ لِلأَمْوَات؟
فَإِنْ كَانَ لا قِيَامَةَ لِلأَمْوَات، فَٱلمَسِيحُ أَيْضًا لَمْ يَقُمْ!
وَإِنْ كَانَ ٱلمَسِيحُ لَمْ يَقُمْ، فبَاطِلٌ تَبْشِيرُنا وبَاطِلٌ إِيْمَانُكم،
ونَكُونُ نَحْنُ شُهُودَ زُورٍ على الله، لأَنَّنَا شَهِدْنَا على اللهِ أَنَّهُ أَقَامَ المَسِيح، وهُوَ مَا أَقَامَهُ، إِنْ صَحَّ أَنَّ الأَمْوَاتَ لا يَقُومُون.
فَإِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لا يَقُومُون، فَالمَسِيحُ أَيْضًا لَمْ يَقُمْ!
وَإِنْ كَانَ المَسِيحُ لَمْ يَقُمْ، فَبَاطِلٌ إِيْمَانُكم، وتَكُونُونَ بَعْدُ في خَطَايَاكُم.
إِذًا فَالَّذينَ رَقَدُوا في المَسِيحِ قَدْ هَلَكُوا.
إِنْ كُنَّا نَرْجُو المَسِيحَ في هذِهِ الحَيَاةِ وحَسْبُ، فَنَحْنُ أَشْقَى النَّاسِ أَجْمَعِين!
وإِلاَّ فَمَاذَا يَفْعَلُ الَّذِينَ يَتَعَمَّدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَات؟ إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لا يَقُومُونَ أَبَدًا، فَلِمَاذَا يَتَعَمَّدُونَ مِنْ أَجْلِهِم؟
ونَحْنُ، فَلِمَاذَا نُعَرِّضُ أَنْفُسَنَا كُلَّ سَاعَةٍ لِلخَطَر؟
أُقْسِمُ، أَيُّهَا الإِخْوَة، بِمَا لي مِنْ فَخْرٍ بِكُم في المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا، أَنِّي أُوَاجِهُ المَوْتَ كُلَّ يَوْم.
إِنْ كُنْتُ صَارَعْتُ الوُحُوشَ في أَفَسُس، لِغَايَةٍ بَشَرِيَّة، فأَيُّ نَفْعٍ لي؟ وإِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لا يَقُومُون، فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَب، لأَنَّنَا غَدًا سَنَمُوت!
لا تَضِلُّوا! إِنَّ المُعَاشَرَاتِ السَّيِّئَةَ تُفْسِدُ الأَخْلاقَ السَّلِيمَة!


إنجيل القدّيس مرقس (16: 1-10)
لَمَّا ٱنْقَضَى السَّبْت، ٱشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّة، ومَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوب، وسَالُومَة، طُيُوبًا لِيَأْتِينَ وَيُطَيِّبْنَ جَسَدَ يَسُوع.
وفي يَوْمِ الأَحَدِ بَاكِرًا جِدًّا، أَتَيْنَ إِلى القَبْرِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْس.
وكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الحَجَرَ عَنْ بَابِ القَبْر؟».
وتَفَرَّسْنَ فشَاهَدْنَ الحَجَرَ قَدْ دُحْرِج، وكَانَ كَبِيرًا جِدًّا.
ودَخَلْنَ القَبْر، فَرَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ اليَمِين، مُتَوَشِّحًا حُلَّةً بَيْضَاء، فَٱنْذَهَلْنَ.
فَقَالَ لَهُنَّ: «لا تَنْذَهِلْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ المَصْلُوب. إِنَّهُ قَام، وَهُوَ لَيْسَ هُنَا. وهَا هُوَ المَكَانُ الَّذي وَضَعُوهُ فِيه.
أَلا ٱذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلامِيذِهِ وَلِبُطْرُس: إِنَّهُ يَسْبِقُكُم إِلى الجَلِيل. وهُنَاكَ تَرَوْنَهُ، كَمَا قَالَ لَكُم».
فَخَرَجْنَ مِنَ القَبْرِ وَهَرَبْنَ مِنْ شِدَّةِ الرِّعْدَةِ والذُّهُول. وَمِنْ خَوْفِهِنَّ لَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا...
وفَجْرَ الأَحَد، قَامَ يَسُوعُ فَتَرَاءَى أَوَّلاً لِمَرْيَمَ المَجْدَلِيَّة ، تِلْكَ الَّتي أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِين.
وهذِهِ ٱنْطَلَقَتْ وَبَشَّرَتْ أُولئِكَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، وكَانُوا يَنُوحُونَ وَيَبْكُون.

الموعظة

لأن حدث قيامة الرب يسوع المسيح من بين الأموات، هو نقطة ارتكاز أساسية في إيماننا المسيحي، لذلك علينا أن نَسبُرَ غوره، ونُسلّط الضوء، في كل مرة، نتحدث فيها عن القيامة، على جانب لم نطرحه قبلاً.

في قداس القيامة، بحسب طقس الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، تقام رتبة السلام، وكأننا بها، نُعيد إلى أذهاننا هتاف الملائكة، الذين كانوا يُسبحون ميلاد المخلّص، بقول: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح، لبني البشر". وهذا يعني أن الرب يسوع المسيح، بموته وقيامته، قد أمّن السلام، وأتمّ المصالحة بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه، وبين الإنسان ونفسه. فالسلام يعني ألّا أكون وحيداً، وبالتالي يفتح السلام، المجال للقاء الآخر في الحبّ، الذي يأتي من الله.

في صلاته الكهنوتية، طلب يسوع الوحدة لأجل تلاميذه، وطلبها لتكون على مثال وحدته مع الآب، فكما هما واحداً، أعني الآب والابن والروح القدس، هكذا على التلاميذ أن يكونوا واحداً. وهذه الوحدة تفترض أن يتصالح الإنسان مع نفسه أولاً، ليستطيع أن يعبر إلى الآخر، فلا مجال للانطلاق نحو الآخر، إن كان هناك ما يعيق، والمقصود هو الخطيئة، التي نَدُلُّ بها مباشرة على أنانية الإنسان واكتفائه بذاته.

لذلك نرى، أنّ كل ما فعله يسوع، هو كشف محبة الآب له ومحبته للآب، وبالتالي انعكست هذه المحبة، أو بالأحرى انطلقت نحو آخر، وهو الإنسان. ومن هنا نرى أنّ الوحدة بين السماء والأرض، التي حققها يسوع، تفترض إيجاد مساحة للآخر في حياتنا. وهذه الوحدة تفترض ألّا يكون الإنسان وحيداً، لأن الوِحْدَة، وهي عكس الوَحْدَة التي نتحدث عنها، هي انغلاق على الذات، أما ما نتحدث عنه، هو تلك الوَحْدَة التي تجعلني أنطلق إلى العلاقة مع الآخر لأكون أنا وإياه واحداً، والذي يضمن هذا الاتحاد، هو ما كشف عنه يسوع، أي وحدته مع الآب.

فإذاً، الوَحْدَة، تحتاج إلى المحبة، والمحبة هي التخلي عن الذات، لأجل آخر. وهذا عكس الخطيئة، التي تجعلنا نتخلى عن الآخر لنحيا نحن. فالخطيئة تهدم العلاقة مع الآخرين، وتعتبرهم غير موجودين، وما هم إلا أدوات، أستخدمها لأغراضي.

نحن نقول إن الله محبّة، لا لأنه يعطينا الخيرات، بل لأنه قادر على أن يعطي ذاته، وقادر على الانطلاق نحو آخر، لذلك هو يريد أن يتحد بالإنسان، وبالتالي ما موت الرب يسوع، سوى ذاك التحقيق لإمكانية أن يُبادل الإنسان الله بنفس عطية الذات. فهو أخلى ذاته، جعل المحبة أقوى من الحياة، من حياته الشخصية، لكي يكون تخليه عنها، فداءً لآخر، هو الإنسان الذي أحبّه وبذل ذاته عنه.

عندما تكون المحبة أقوى من الحياة، أي عندما يكون الإنسان مستعداً لتقديم ذاته ويعرضها للخطر، في سبيل من يُحب، عندها تكون المحبة أقوى من الموت، فتكون القيامة.

من هنا علينا عدم تجاوز المحبة في حياتنا، نُجسّدها، إن صح أن نقول، نجعلها قابلة لتندمج فينا، ونسمح لها أن تتغلغل في كافة ظروف حياتنا، ومع كل إنسان، في العائلة والكنيسة والمجتمع والوطن..إلخ، فالمحبة التي تُقَوَّضْ، تفتح مجالاً للموت، وتجعل منه نهاية، وإن تجاوزت المحبة الموت، عندئذٍ تُخلَق الوَحْدَة حيث أنّ الموت يُفَرّق، وبها يُصبح الموت بداية. فالمحبة في نهاية المطاف، هي القيامة.

المسيح قام.. حقاً قام