الجنب المطعون علامة القيامة 

الأحد الجديد والمسمّى أحد توما 

رسالة القدّيس بولس الثانية إلى أهل قورنتس (5: 11-19) 
يا إخوَتِي، بِمَا أَنَّنَا نَعْرِفُ مَخَافَةَ الرَّبّ، نحُاوِلُ أَنْ نُقْنِعَ النَّاس. وَنَحْنُ مَعْرُوفُون لَدَى ٱلله، ولكِنِّي آمَلُ أَنْ نَكُونَ مَعْرُوفِينَ أَيْضًا في ضَمَائِرِكُم.
ولَسْنَا نَعُودُ فَنُوَصِّيكُم بِأَنْفُسِنَا، بَلْ نُعْطِيكُم فُرْصَةً لِلٱفْتَخَارِ بِنَا تُجَاهَ الَّذينَ يَفْتَخِرُونَ بِالمَظْهَرِ لا بِمَا في القَلْب.
فإِنْ كُنَّا مَجَانِينَ فَلِله، وإِنْ كُنَّا عُقَلاءَ فَلأَجْلِكُم؛
إِنَّ مَحَبَّةَ المَسِيحِ تَأْسُرُنَا، لأَنَّنَا أَدْرَكْنَا هذَا، وهوَ أَنَّ وَاحِدًا مَاتَ عَنِ الجَمِيع، فَالجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا.
لَقَدْ مَاتَ عَنِ الجَمِيع، لِكَي لا يَحْيَا ٱلأَحْيَاءُ مِنْ بَعْدُ لأَنْفُسِهِم، بَلْ لِلَّذي مَاتَ عَنْهُم وقَامَ مِن أَجْلِهِم.
إِذًا فَمُنْذُ الآنَ نَحْنُ لا نَعْرِفُ أَحَدًا مَعْرِفَةً بَشَرِيَّة، وإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا المَسِيحَ مَعْرِفَةً بَشَرِيَّة، فَالآنَ مَا عُدْنَا نَعْرِفُهُ كَذَلِكَ.
إِذًا، إِنْ كَانَ أَحَدٌ في المَسِيحِ فَهُوَ خَلْقٌ جَدِيد: لَقَدْ زَالَ القَدِيم، وصَارَ كُلُّ شَيءٍ جَدِيدًا.
وكُلُّ شَيءٍ هُوَ مِنَ ٱلله، الَّذي صَالَحَنَا مَعَ نَفْسِهِ بِالمَسِيح، وأَعْطَانَا خِدْمَةَ المُصَالَحَة؛
لأَنَّ ٱللهَ صَالَحَ العَالَمَ مَعَ نَفْسِهِ بِالمَسِيح، ولَمْ يُحَاسِبِ ٱلنَّاسَ عَلى زَلاَّتِهِم، وأَوْدَعَنَا كَلِمَةَ المُصَالَحَة.

إنجيل القدّيس يوحنّا (20: 26-31)
بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّام، كَانَ تَلامِيذُ يَسُوعَ ثَانِيَةً في البَيْت، وتُومَا مَعَهُم. جَاءَ يَسُوع، والأَبْوَابُ مُغْلَقَة، فَوَقَفَ في الوَسَطِ وقَال: «أَلسَّلامُ لَكُم!».
ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبَعَكَ إِلى هُنَا، وٱنْظُرْ يَدَيَّ. وهَاتِ يَدَكَ، وضَعْهَا في جَنْبِي. ولا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ كُنْ مُؤْمِنًا!».
أَجَابَ تُومَا وقَالَ لَهُ: «رَبِّي وإِلهِي!».
قَالَ لَهُ يَسُوع: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي آمَنْت؟ طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَرَوا وآمَنُوا!».
وصَنَعَ يَسُوعُ أَمَامَ تَلامِيذِهِ آيَاتٍ أُخْرَى كَثِيرَةً لَمْ تُدَوَّنْ في هذَا الكِتَاب.
وإِنَّمَا دُوِّنَتْ هذِهِ لِكَي تُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ ٱبْنُ ٱلله، ولِكَي تَكُونَ لَكُم، إِذَا آمَنْتُم، الحَيَاةُ بِٱسْمِهِ.

الموعظة

في اليوم الثامن بعد قيامة الرب يسوع، كان التلاميذ يعيشون في الخوف، فقد أغلقوا الأبواب، وفي هذا المحيط المقفل ظهر يسوع، "وقف في الوسط"، الأمر الذي يزيد الخوف خوفاً، ولكن سرعان ما بادر يسوع إليهم وحيّاهم بالسلام فقال: "السلام لكم". هذا السلام ينقل التلاميذ من حالة إلى حالة، من حالة الخوف المغلق، الذي يمنع من التحرك، إلى حالة الخوف المنفتح، الذي يفتح المجال للتحرك. أجل هناك خوف يُكبّل ويمنع الحركة، يُجمّد الإنسان في مكانه ولا يدعه يعرف كيف يتصرف، وخوف يجعله يتشجع، يكون بمثابة انطلاق للتحرك والمبادرة.

طبعاً هذا الخوف الذي جعل التلاميذ في دائرة مغلقة، له ما يُبرره، فهو يُعبّر عن خيبة أمل من الفشل الذي رأوه في مَن كانوا يظنونه "صانع معجزات"، إذ كان الصليب والقبر نهاية هذا الواعظ المتجول والتي كانت يد الله معه، الأمر الذي يحصل معنا في مرة نصطدم بها بحجر عثرة الألم والشر الذي يُصيبنا في حياتنا، ونحن نؤمن بالله.

فها نحن اليوم، نجلس في بيوتنا، خائفين، مغلقين الأبواب بوجه من كنّا نظن بهم أنهم يعطونا السلام، فأمام الوباء المخيف، نخاف فلا نعرف كيف نتصرف، ونُجَمَّد منتظرين ما سوف يحدث، أمام فشل الإنسان في إيجاد الحلّ المناسب، ولا نرى أي عونٍ من الله، رغم أنه هو معطي الحياة.

لعلنا لا نؤمن كفاية؟ أو أننا نتوهم الإيمان؟ أم أننا لا نعرف حقيقة الله الذي نؤمن به؟ أعتقد أنها كلها، فنحن لا نؤمن كفاية ونتوهم الإيمان ولا نعرف حقيقة الله الذي نؤمن به.

لم يتغير المشهد كثيراً بيننا وبين التلاميذ؛ هم كانوا يتوقعون سيناريو مختلف، فكيف الذي شفى المرضى وأقام الموتى أمام أعينهم، يُغيّبه الموت هكذا؟ ونحن لا نرى الله إلا أنه "صانع معجزات" و "مُحقق أمنيات"، و"مجترح خوارق" و "إله مُبهر للعقول".

نحن نعتمد على علامات تدّلنا على الله، وهنا في هذا الإنجيل، يخبرنا القديس يوحنا، أنّ العلامة الوحيدة والنهائية، التي تدلّنا على الله، هي علامة جروحات الذي كان معلّقاً على الصليب. فلا الأمطار ولا البروق والرعود، ولا الأنوار ولا كل علامة في الطبيعة، تصل بنا إلى معرفة الله معرفة حقيقية، إلّا المصلوب نفسه وإياه مجروحاً وثقوب يديه ورجليه وجنبه ظاهرة للملأ.

هذا بالفعل ما أراد القديس يوحنا أن يُخبرنا إياه، عن طريق شك القديس توما الذي لن يؤمن بالقيامة إلّا إذا وضع يده في الجنب المطعون. فلم يقول توما لن أؤمن إلاّ إذا رأيته أمامي، ولكن أؤمن عندما أضع يدي في جرحه، أي عندما أرى الذي مات مصلوباً، كعلامة حبّ الله الوحيدة للإنسان، وهي علامة الخلاص الأولى والأخيرة. "وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات، فينظرون إلى، الذي طعنوه، وينوحون عليه كنائح على وحيد له، ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره." (زكريا 12: 10)، وأيضاً في (يوحنا 19: 37): "سينظرون إلى الذي طعنوه".

على الصليب، وهو سرّ الحبّ الإلهي، نرى مشهد طعن الجنب بالحربة، الأمر الذي يأخذنا مباشرة إلى "آدم" في سفر التكوين (2: 21-24)، حيث خُلقت المرأة من ضلع الرجل، ليكونا جسداً واحداً (الآية 24). وهنا لا بد من التنويه على الخطأ الذي نقع فيه أحيانا عند الترجمة، فـ: ضلع الرجل يعني جنبه.
الجنب المطعون بالحربة هو "جنبٌ مفتوح"، جنبٌ يستقبل الآخرين ليكونوا مع المطعون بالحربة واحداً.

هذا المشهد ليس قصصياً ولا يرتقي لمستوى الأسطورة، وإنما يُجسد بصورة كتابية، فيها من الوحي ما يكفي، ليُعلن بداية جماعة جديدة كليّاً، والدم والماء اللذان خرجا من جنب المصلوب، يُمثلان سرَّ الجماعة الكنسية الجديدة، التي تُكوَّن في سريّ العماد والقربان المقدس. لذلك فإن مؤسس الكنيسة، أعني الرب يسوع المسيح، أرادها سرَّ حبّهِ في العالم، وهذا هو الوجه الوحيد والنهائي للكنيسة.

نحن اليوم، الدالون على الكنيسة، والذين نُشكّل عناصرها، نؤمن بناءً على شهادة من سبقونا، من الرسل إلى خلفائهم، ومن ثم، جيل بعد جيل، إلينا الآن، فطوبانا نحن الذين آمنا دون أن نرى، ومع صرخة القديس توما "ربي وإلهي"، نعلن الكلمة التي تلخص كل شيء، ونعلن الإيمان الذي يتعدى المعجزات، فهناك من يعتمدوا على المعجزات ليؤمنوا، فوَيحَهُم، وهناك من يروا في المصلوب لأجلنا، قمة إيمانهم، فطوبى لهؤلاء. 

اليوم ونحن خائفون، فلنحطم الأبواب المغلقة في قلبنا، ونحن نؤمن بالرب يسوع المسيح مصلوباً، ولنمد يدنا إلى الجنب المطعون والمفتوح لأجلنا، ونأخذ الحياة الحقيقية التي بها نخرج من كل وهم وضياع، فنعرف الله، ونضع ثقتنا به، هو القادر على أن يقيمنا، مع ابنه الوحيد، ويُجلِسَنا عن يمينه، في ملكوته الأبدي.
هذه الموعظة ليست إلا نظرة من زاوية مختلفة إلى نص إنجيل اليوم، وفي كل مرة نقرأ هذا النص في المستقبل سوف ننظر من زاوية أخرى وهكذا.